هناك
العديد من الدراسات التي اهتمت بدراسة نمط الإنتاج المصري، والتي انقسمت إلى
فريقين: واحد يجتهد في إثبات أن نمط الإنتاج الإقطاعي كان هو النمط السائد، وآخر
يجتهد في إثبات أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو الذي كان سائداً. وقد يرجع السبب في
ذلك إلى أن هؤلاء الباحثين استخدموا في عملهم أسلوب القياس على مجتمعات أخرى،
وبالتالي عدم الانتباه الكافي لتباين التطور الاجتماعي بين المجتمعات الإنسانية
وبعضها البعض. أحاول هنا دراسة هذا الموضوع كـ (مُعطى)، أي دراسة الوضع على ما هو
عليه دون أية اسقاطات مُسبقة. وذلك من خلال المعطيات المتوفرة والمراجع الخاصة بتلك
الفترة.
وإذا كان ظهور نمط الإنتاج الرأسمالي في أوربا قد ارتبط بالثورة على نمط
الإنتاج الإقطاعي وتحطيمه، وبإقرار الملكية الفردية للأرض الزراعية، وإقرار حرية
العامل في بيع قوة عمله، واتساع السوق لتستقبل منتجات التطور التقني العالي. وأن
هذا التحول جاء على يد طبقة جديدة من خارج طبقة كبار المُلاك، وهي طبقة
الرأسماليين الصناعيين والتجاريين. فإن الحال في مصر يختلف، حيث نجد أن بداية
التكون الحقيقي للنمط الرأسمالي جاء على يد الدولة، عند نهايات حكم محمد على مما
أعطى لهذا النمط سمات خاصة، هذه واحدة. أما الثانية فتتمثل في كون أن
الطبقة التي كان عليها قيادة عملية التحول الرأسمالي بعد أن منحتها الدولة (صك)
الانطلاق كانت هي نفسها طبقة كبار المُلاّك الذين استفادوا من هذا الصك وهو إقرار (حق
الملكية الفردية للأرض الزراعية)، ومن هنا وقفت هذه الطبقة تحاول التوفيق بين
مصالحها القديمة المعتمدة على ريع الأرض أساساً وبين مصالحها الجديدة المُتمثل في
ضرورة توجيه فائضها الاقتصادي نحو الإنتاج الصناعي والتجاري (ومن هنا كان التحول
بطيئاً). أما النقطة الثالثة فتمثلت في أن عملية التحول تلك كانت تتم تحت
سيطرة وتوجيه من رأس المال الأجنبي بشكل مباشر (الاحتلال البريطاني)، ومن ثم كان
من الطبيعي أن يظل هذا النمو الرأسمالي قاصراً وتابعاً لرأس المال الأجنبي عامة
ورأس المال البريطاني بصفة خاصة. في هذه الأسباب الثلاث يكمن سر اختلاف التطور
الاقتصادي الرأسمالي في مصر عن نظيره الأوربي. وإذا كان الأمر كذلك فإنه يُصبح من
الطبيعي أن تشهد الزراعة المصرية أيضاً نمطا خاصاً في تطورها ليس بالضرورة أن يكون
له مثيل في بلدان أخرى، وإذا كان هذا النمط موجوداً في بلدان أخرى حتى وإن كان تحت
مسميات أخرى فإنه عندها فقط يُمكن البحث عما إذا ما كان يحدث في مصر يُشكل قانوناً
عاماً للتطور يتم في المجتمعات التي تتشابه خصائصها مع خصائص المجتمع المصري أم لا
؟ وللمساعدة على تتبع ذلك الموضوع يجب أن نشير هنا إلى أن ركيزة النمط الرأسمالي
في الزراعة هو (حق الانتفاع) وليس (حق الملكية)، وذلك على العكس تماماً مما يحدث
في الصناعة، وهذا لا ينفي أن أحد شروط قيام النظام الرأسمالي هو إقرار حق الملكية
الفردية. ومن هنا تأتي أهمية دراسة هيكل الحيازة والحائزين قبل أهمية دراسة هيكل
الملكية والمُلاّك. واستناداً إلى كل المعطيات السابقة نجد أن الزراعة المصرية
خلال النصف الأول من القرن العشرين شهدت نمطين للإنتاج: واحد أطلقنا عليه اسم نمط
الإنتاج التبعي وهو قائم على أساس علاقة من التبعية بين مالك الأرض وبين فلاح
تابع" التملّي"، والثاني قائم على أساس علاقة حرة بين حائز الأرض
مالك كان أو مستأجر وبين فلاح حر" الأجير" وهو المعروف باسم نمط
الإنتاج الرأسمالي. وقد ارتبط نمط الإنتاج التبعي بنمط الإقامة في العِزَبْ،
ومن هنا فإن العِزبة لم تكن نظام إقامة فقط بل كانت نمط إنتاج أيضاً، وعلى
العكس من ذلك بالنسبة للقرى التي كانت في الأصل نظام إقامة للمجتمع الريفي
المُنشغل أساساً بالنشاط الإنتاجي الزراعي. ولتوضيح مدى أهمية وانتشار نمط الإنتاج
التبعي يكفي أن نُشير فقط إلى أن عدد العِزَبْ في مصر قد بلغ نحو 7800 عزبة عام 1932م.
نمط
(الإنتاج التبعي):
قبل
البدء في تقديم وشرح هذا النمط نود التأكيد على أن الإمساك بعناصر هذا النمط إنما
تم لِما توفر من بيانات خاصة بالنصف الأول من القرن العشرين، ونحن هنا لا ننفي
وجود ذلك النمط في مراحل سابقة، على أمل العودة لتتبع أصول ذلك النمط في تلك
المراحل السابقة، وحيث يذكر الدكتور الحفناوي" أن مصر عَرِفَتْ نظام
التبعية في عصور الإقطاع. فكان الفلاح يرتبط بالأرض، كما كان العامل يتبع رب العمل.
وكان هذا الارتباط والتبعية بصفة دائمة، بمعنى أن هذه العلاقة تكون لمدى الحياة بل
ووراثية أيضاً. ونظام التبعية هنا شبيه بنظام التبعية الذي عرفه القانون الروماني
في عصر الإمبراطورية السفلى وعرفته أوربا إبان القرون الوسطى". ويعتمد (نمط
الإنتاج التبعـي) الذي نقصده هنا على" ربط قوة العمل الزراعية بموقع
مزرعة المالك الكبير"، بحيث يضمن توفير الحد الأدنى اللازم من قوة العمل
اللازمة للمزرعة طوال العام. في هذا النمط يقوم المالك بتوزيع قطع من الأراضي على
الفلاحين، الذين يقومون بزراعتها لحسابهم الخاص وباستخدام أدواتهم الإنتاجية،
مقابل العمل في مزرعة المالك وباستخدام نفس أدواتهم الإنتاجية. ويلاحظ هنا أن ناتج العمل الضروري يحصل عليه
الفلاح من قطعة الأرض الموزعة عليه وهو يكفي لمعيشته هو وأسرته، أما ناتج العمل
الإضافي والذي يتم في مزرعة المالك فيحصل عليه المالك، وبالتالي نجد في هذه الحالة
أن العمل الإضافي مفصول جغرافيا عن العمل الضروري. ويُفترض لسيادة مثل هذا
النظام:
-
أن يكون الناتج من
حيازة المالك الكبير (مزرعته أو مزارعه الخاصة + قطع الأرض الموزعة على الفلاحين)
يكفي لسد احتياجاته الأساسية، واحتياجات الفلاحين التابعين له والمقيمين بالقرية.
-
توفر قدر كاف من الأراضي وأدوات العمل البسيطة
للفلاحين (المنتجين المباشرين) وإلا حرم المالك الكبير من الأيدي العاملة. وهذا ما
يناقض نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يفترض فيه حرمان المنتجين المباشرين من وسائل
الإنتاج.
-
تبعية الفلاحين
للمالك هنا تبعية إرغام (بغض النظر عن حُسن أو سوء سلوك المالك) رغم توفر حريتهم
في مغادرة المزرعة، وهو ما لم يكن متوفر في مزرعة الإقطاعي. فقيام المالك بتوفير
المأوى والأرض لهم، مع منح الهبات والملابس في المواسم والأعياد أضفى نوع من
التبعية الاختيارية الأخلاقية التي تُخفي في باطنها شُبهة الإرغام.
وعلى ذلك يمكن القول أن نمط الإنتاج
التبعي يقوم أساساً على فكرة ربط الفلاح بالأرض، وهو عبارة عن علاقة ذات طرفين
يُمثل فيها المالك (الذي يحصل على الفائض الاقتصادي) الطرف الأول بينما يُمثل
الفلاح التملّي (مصدر الفائض) الطرف الثاني. ذلك لأن مستأجر
الأرض لا يستطيع ولا يملك حق تطبيق ذلك النمط. على عكس الحادث في النمط الرأسمالي
كما سنرى بعد ذلك حيث تقوم العلاقة بين حائز الأرض حتى لو كان مستأجراً وبين
الفلاح الحر. كما أن عملية الانتقال إلى سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي في الزراعة
والتي تستلزم توفر العمل الحر وتبنى المالك الكبير للنظام الرأسمالي في إدارة
مزرعته وتطويرها فنيا تحتاج إلى فترة طويلة تختلف من مجتمع لآخر. مع ملاحظة أن
سيطرة المالك الكبير على الفلاحين وإن كانت تتناقص خلال مرحلة التحول تلك إلا أنها
لا تنتهي تماما، ويصبح من الطبيعي أن نجد مزيجا من النظامين لفترة تطول أو تقصر
يتقلص خلالها نمط الإنتاج التبعي ويتزايد نمط الإنتاج الرأسمالي حتى يسود ذلك
الأخير. ويجدر بنا هنا أن نُعيد التأكيد على أن مفهوم" التكوين الاجتماعي Social
Formation" يسمح
بوجود أكثر من" نمط إنتاجي واحد Mode of
Production"
بشرط سيادة أحد هذه الأنماط. وتُشير المراجع التاريخية إلى تبلور نمط الإنتاج
الإقطاعي بشكله الكلاسيكي في روسيا القيصرية، إلا أنه عند منتصف القرن التاسع عشر
تبلور شكل جديد للنمط الذي نُطلق عليه الآن نمط الإنتاج التبعي، وهو شكل يجد أصوله
في نمط الإنتاج الإقطاعي هناك·.
من الصعُب تحديد الفترة الزمنية التي ظهر فيها نمط الإنتاج التبعي في
مصر. ولكن يمكن القول بشكل عام أن ذلك النمط تبلور بشكله النموذجي عند نهاية القرن
التاسع عشر، وذلك لا يعني عدم وجود جذور
له في فترة تاريخية أسبق، حيث يذكر ألان ريتشاردز أن" مشايخ القرى في عهد
محمد على تجمعت تحت أيديهم ثروة هائلة من الأراضي التي كانت مملوكة أصلاً
للفلاحين ثم هربوا منها نظراً لقسوة الضرائب المفروضة عليهم، ومن المحتمل أن هؤلاء
المشايخ كانـوا يستـغلون أراضيهم بنظام العِزبة (النمط التبعي) حتى يتمكنوا
من ربط الفلاحين بالأرض، حيث جاء ذلك في محاورات مع مشايخ القرى أجراها معهم فالييرز
ستيوارت العضو البرلماني الذي كان ضمن فريق تقصي الحقائق الذي أرسله البرلمان
البريطاني عام 1883م بعد احتلال مصر، وأن المشايخ الأقل كانوا يستخدمون نظام المُزارعة أي المُشاركة
على المحصول".
ونظراً لأننا ننشغل بفترة النصف الأول
من القرن العشرين سنقوم بدراسة وتحليل ذلك النمط كما كان عليه في تلك الفترة
واستناداً إلى المراجع العلمية التي كتبت عنه في نفس الفترة. بحيث يُمكن بسهولة
التوصل إلى ملامح ذلك النمط في الزراعة المصرية. وهذا النمط يظهر أساساً عندما
يكون حائز الأرض مالكاً لها، وينتشر أساساً في مزارع كبار المُلاّك - وُجِدَ
أيضاً بشكل استثنائي لدى صغار المُلاّك وفي بعض مزارع الدولة - عندما يقومون
باستغلال أراضيهم على شكل مزارع مُتسعة المساحة بدلاً من تأجيرها للغير. فيقوم
المالك بتجهيز المزرعة بالمباني اللازمة للموظفين الفنيين، ومساكن الفلاحين
التملية، وحظائر الماشية، ومخازن الآلات
والأدوات والمهمات، وعادة ما يتم تجهيز منزل للمالك في المزرعة. وهذا النوع من
المزارع يُطلق علية اسم (العِزبة)
كما يُطلق عليه أحياناً اسم (الأبعادية). وإذا كان للمالك أكثر من عزبة
سواء في منطقة واحدة أو في مناطق متباعدة أطلق عليها اسم (تفتيش) وأحياناً
أخرى اسم (وسية). وتقع إدارة التفتيش ومسكن المالك في إحدى عِزَبْ التفتيش،
والتي يُطلق عليها في هذه الحالة اسم (الدايرة) أي إدارة دائرة التفتيش، وعلى سبيل المثال فقد
كان تفتيش الخزان المملوك للأمير عمر طوسون يضم إحدى عشر نظارة (عِزبة)
وكانت عِزبة فيشا واحدة من هذه العِزَبْ وتقع فيها إدارة التفتيش
ومسكن مدير الدايرة. ومن هنا فإن تسمية العِزَبْ تُشير في الأصل إلى أحد أنماط
عملية الإنتاج الزراعي أكثر من إشارتها إلى نمط إقامة.
1
- علاقات التبعية في مزارع كبار الملاك:
تعددت أشكال علاقات
التبعية بين مالك الأرض وبين الفلاحين التملّية، وتباينت من منطقة لأخرى، ومن فترة
لأخرى. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء عل هذه العلاقات استناداً لِما توفر من مصادر
عِلمية. ولعل كتاب" كمال النجاح للمُزارع والفلاح، في الأراضي والزراعة
المصرية" الذي أعده محمود عطية مأمور دائرة البرنس حسين كامل
باشا، ونشره عام 1902م من أهم تلك المراجع
خاصة وأن مؤلفه اشتغل أيضاً مفتش مندوب المالية بلجان تعديل الضرائب، والتي
طافت القطر المصري خلال عامي 1895، 1896م. وكان قد سبق للمؤلف وضع كتاب بعنوان"
النجاح للمزارع والفلاح" نشره عام 1888م، ويُعد الكتاب الذي نحن بصدده تكملة
للكتاب الأول الذي لم نتمكن للأسف من العثور على نسخة منه. يبدأ محمود عطية
بتوضيح أهمية العمالة للإنتاج الزراعي فيقول" الأنفار هي روح الأطيان
والماء حياتها. وإذا لم توجد فيها أو خرجت منها الأنفار تموت ولو كانت المياه
موجودة فيها، ولهذا يجب على أصحاب الأطيان أن تكون أفكارهم متجهة إلى كيفية ربط
الأنفار بالأطيان". ثم يُضيف" أن أغلب أصحاب الأطيان المتسعة بما
فيها تفتيش جبارس ملك البرنس حسين كامل كانوا يمنحون (أطيان معاش) للفلاحين
وذلك للتحايل على إيجاد الأنفار التملية وضمان بقائهم في التفتيش".
-
ويتم تقسيم أنفار
الفلاحين إلى أربعة درجات: يُمنح أنفار الدرجة الأولى
فدانا وربع، وأنفار الدرجة الثانية فدانا، وأنفار الدرجة الثالثة
ثلاثة أرباع الفدان، وأخيرا يُمنح أنفار الدرجة الرابعة نصف فدان. ويدفع
هؤلاء الأنفار نصف أو ثلث ما تساويه هذه الأرض من إيجار مقابل أن يتعهد بالعمل في
أرض البرنس بأجرة يومية تساوي ثلثي أجرة النفر الذي يُستحضر من الخارج حيث (كانت
الأجرة السائدة في ذلك الوقت 3 قروش للنفر الخارجي، وقرشان للنفر التملّي).
-
إلا أن هناك بعض
أصحاب الأطيان لا يأخذون إيجارا من أطيان المعاش ولا يدفعون أجره للتملّية (أي أن
ريع الأرض الذي يحصلون عليه كان على هيئة قوة عمل). والبعض يسقي لهم ما يزرعونه
بأطيان المعاش المذكورة من مياه وابوراته مجاناً بدون أجرة. والبعض يعطي لهم أذرة
لكل نفر من الدرجة الأولى إردباً في السنة، ولكل من باقي الدرجات ما يستحقه.
ويؤكد
عطية على أهمية الفلاحين التملّية فيقول" إن وجود الأنفار بالأطيان وتشغيلهم
بصفة تملية هو روحها لأن بوجودهم يصير عمل كل ما يلزم في وقته، أما الأنفار غير
المقيمين بالأطيان الذين يصير استحضارهم من الخارج واستئجارهم بحسب اللزوم فهم
أحرار يشتغلون عند من شاءوا فمن يجد راحته عنده في الاشتغال أو بزيادة الأجر خصوصا
في وقت لزومهم، ولذلك يتعذر وجود أنفار كفاية لعمل ما يكون لازما بوقته". أما
الفلاحين التملّية الذين كانوا يعملون بأبعادية رياض باشا بمحلة روح في
مديرية الغربية كانوا يشكلون مائة أسرة تضم نحو 600 فردا، قام الباشا بتوزيع 18
قيراط على كل أسرة لزراعتها لحسابها الخاص مقابل إيجار سنوي قدره جنيهان وهو أقل
من الإيجار السائد في ذلك الوقت نظير أن تتعهد هذه الأسر بتقديم 150 فردا بشكل
دوري فيما بينهم للعمل بأرض الأبعادية لقاء أجر يومي يتراوح بين (1.5 - 2 قرش).
وبتقديم أطفالهم للعمل في تنقية ورق القطن وجني المحصول لقاء أجر يومي يتراوح بين (20
- 60 بارة) حيث القرش يعادل 60 بارة 21 . ذلك يعني أن جملة
المساحة المخصصة للتملّية في هذه العزبة يبلغ نحو 75 فدان وهي مساحة كبيرة، وبحسبة
بسيطة وفقاً لمُعطيات دايرة البرنس حسين كمال خلال نفس الفترة والتي تُقدر الحد
الأدنى اللازم لكل 100 فدان بنحو 15 أسرة، تكون مساحة هذه العِزبة (رغم أنها ظلت
تحتفظ باسم أبعادية) نحو 666 فدان. ويذكر على بركات أنه عند نهاية القرن
التاسع عشر كانت العِزَبْ تغص بأعداد كبيرة من الفلاحين المُعدَمين يقومون على
زراعتها، ففي مركز قويسنا بمديرية المنوفية كان عدد الفلاحين الذين يُقيمون بعزبة محمد
بك الشنواني البالغ مساحتها 250 فدان يبلغ 355 فلاح، وفي عِزبة إبراهيم عمر
الملواني البالغ مساحتها 430 فدان كان عدد الفلاحين العاملين عليها 490، وفي
عِزبة القمص يوحنا غطاس البالغ مساحتها 248 فدان بلغ عدد الفلاحين العاملين
عليها 424، وفي عِزبة راتب باشا البالغ مساحتها 420 فدان بلغ عدد الفلاحين
بها 380 نسمة، وفي عِزبة محمود بك عبد الغفار البالغ مساحتها 594 فدان يبلغ
عدد الفلاحين بها 366 نسمة، وفي عِزبة أحمد يوسف علما البالغ مساحتها 598
فدان بلغ عدد العاملين بها 822 نسمة. ورغم أنه لا توجد وثائق دالة على نوعية
العلاقة في هذه العِزَبْ إلا أن هناك إشارة واضحة إلى أن هذه الأعداد المذكورة هي
الأعداد المقيمة بالعِزبة بصفة دائمة أي" تملّية" ويتبين من
البيانات أن نصيب الفدان الواحد من العمال التملّية يتراوح بين 0.91 عامل إلى 1.71
عامل، أي بمتوسط عامل واحد لكل فدان وهي نفس المُعدلات تقريباً التي ظهرت في
بيانات العِزَبْ التي توفرت عنها بيانات كاملة.
ونظراً لعدم توفر بيانات إحصائية كافية
عن مساحات هذه العِزَبْ فإنه يُمكن تقدير مساحة الأرض الزراعية التي تُدار وفقاً
لهذا النمط باستخدام فرضيات الحد الأدني لعام 1934م على النحو التالي:
-
أن جميع محلات
الإقامة تحت اسم عِزبة تُدار بنظام العِزَبْ.
-
تجاهل أن هناك تجمعات
أخرى تحت تسميات أخرى تُدار بنظام العِزَبْ كما هو الحال في الأبعاديات، وهي
غالباً ذات المساحات الأكبر.
-
على ذلك نكتفي بأن
عدد العِزَبْ هو 7800 عِزبة كما ورد في الإحصاء.
-
إذا افترضنا أن هناك
7000 عِزبة يبلغ مساحة كل منها 100 فدان فقط، فذلك يعني أن هناك 700 ألف فدان.
-
وإذا افترضنا أن عدد
العِزَبْ الضخمة يبلغ نحو 800 عزبة فقط وبمتوسط مساحة قدره 500 فدان، فذلك يعني أن
هناك 500 ألف فدان أخرى.
-
وعلى ذلك فإننا نعتقد
أنه إذا كانت هناك 7800 عِزبة في عام 1934م وهو عدد ضخم ولاشك، فإننا نُقدر حجم
المساحة التي كانت تشغلها بنحو 1.1 مليون فدان، وهي تُمثل نحو 35 % من جملة مساحة
الحيازات الكبيرة في ذلك العام. ووفقاً للمعطيات السابقة فيُمكن تصور مدى ارتفاع
تلك النسبة عند بداية هذا القرن، مما يُوضح بشكل كبير حجم انتشار هذا النمط.
وفي عام 1938م كان العمال التملّية يُقسمون
إلى ثلاث درجات بدلا من أربع عند بداية القرن. فعمال الدرجة الأولى يقومون
بالأشغال الزراعية التي تستدعي الخبرة التامة والمجهود الجسماني الكبير وقوة
الساعد حيث يقومون بالحرث، والتخطيط، والتبتين، والتقصيب، والتلويط، والعزيق، ونثر
الحبوب، ونثر السماد، وحصاد القصب والذرة، وتقليع حطب القطن، وضم الأرز وأشغال
الكلافة. أما عمال الدرجة الثانية فهم غلمان تتراوح أعمارهم بين 15 - 18
سنة ويشتغلون في بعض أعمال عمال الدرجة الأولى كالحرث، والعزيق، وخلافه. أما عمال
الدرجة الثالثة فهم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة ويشتغلون بالأعمال
التي تحتاج إلى الخفة والسرعة في الحركة بلا حاجة إلى قوة كبيرة كوضع تقاوي القطن
في الجور، وتنقية الحشائش، وخف المحصول، ونقاوة اللطع، وإبادة الدودة، وجني القطن،
وتلقيط الذرة، وقيادة الحيوانات كالبقر والجاموس، ورعي الغنم. ويلاحظ أن ظاهرة التملّية
بدون أرض بدأت تزداد في هذه الفترة حيث يوفر المالك الكبير الإقامة فقط للعمال
الدائمين دون أن يؤجر لهم أرضا. ويقبل الفلاحون هذا الشكل من العمل ضمانا لدخل
مستمر طوال العام. وفي هذه الحالة فإن المالك يدفع لهم الأجر نقدا بما يتراوح بين
60 - 120 قرشا في الشهر لعمال الدرجة الأولى، وبما يتراوح بين 45 - 75 قرشا لعمال
الدرجة الثانية، أما عمال الدرجة الثالثة فيدفع لهم 30 قرش شهريا. وأحيانا يكون
الدفع عينا على هيئة حبوب تعادل في قيمتها الأجرة الشهرية. وقد يكون الدفع نقدا
وعينا كما هو سائد في المنوفية والقليوبية حيث يحصل العامل على ثلاثة أرادب ذرة في
الستة شهور من نصف بئونة إلى نصف كيهك، وإردب قمح ومائة وخمسون قرش في الشهور
الستة التالية بالإضافة إلى كسوة كل ستة أشهر تضم جلباب ولباس ومداس وطاقية. وفي
مناطق أخرى يحصل العامل على أربع كيلات ذرة بالإضافة إلى ثلاثون قرش شهريا. أما
مساحة الأرض التي كانت تُمنح لتملّية
الأرض نظير استمرار وجودهم فقد كانت بشكل عام في المتوسط من 18 - 20 قيراط لعامل الدرجة الأولى، ومن 12
- 16 قيراط لعامل الدرجة الثانية، ومن 6 - 8 قيراط لعامل الدرجة الثالثة، وتزداد تلك المساحة كلما انخفضت جودة الأرض.
وفي جميع الأحوال يُشتَرطْ على التملّي زراعة أرضه حبوبا أو علفا فقط. أما في سخا
وكفر الشيخ فيحصل كل تملي على قطعة أرض تتراوح من نصف فدان إلى فدانين بحسب خصوبة
الأرض وبحيث يساوي إيجارها أجرته السنوية وفي المقابل يدفع التملي الضريبة
المربوطة على الأرض ويقوم بجميع الأعمال الزراعية التي تُطلب منه في أرض المالك
طوال السنة. وإذا انقطع يوما يستحضر عامل بدلا منه أو تضاف عليه أجرة هذا العامل.
وفي بعض المناطق الأخرى يحصل التملي على الأرض مقابل أجر يومي نظير عمله يقل قرشا
عن أجرة العامل المؤقت.
2
–علاقات
التبعية في مزارع صغار المُلاّك:
وقد امتد نظام
التملّية بدون أرض إلى صغار الملاك _ وإن كان غير منتشر فيما بينهم _ خاصة هؤلاء
الذين ترجع أصولهم إلى متوسطي المُلاّك ممن كانت لهم مكانة اجتماعية مميزة في
قراهم، وتأثر حجم ملكيته بسبب عامل الوراثة أو غيره. كما وُجِدَ ذلك النظام أيضاً
لدى بعض الأسر صغيرة الحجم التي لا يتوفر لديها الحجم الكافي من العمالة العائلية،
ولا ترغب في تأجير أراضيها للغير. وفي هذه الحالة نجد أن العمال التملّية
يقومون بجميع الأعمال الزراعية مقابل طعامهم وكسوتهم بالإضافة إلى منحهم حبوبا
تتراوح بين كيلتين إلى أربع كيلات شهريا، وغالبا ما يوفر لهم مكانا للمأوى. ويُطلق
على هؤلاء العمال التملية اسم (المرابعون)، ويُلاحَظ في هذه الحالة أن التملّي لا
يحصل على قطعة أرض من المالك نظراً لأن مساحة ذلك المالك صغيرة في الأصل، ومن
الطبيعي أن تكون علاقات التبعية في هذه الحالة أضعف من نظيرتها في مزارع كبار
المُلاّك، وتستند بشكل أكبر على روابط القيم والتقاليد الاجتماعية الريفية.
3-
علاقات التبعية في مزارع الحكومة والأوقاف:
ويلاحظ
أيضا أن إدارة الحكومة للمساحات الزراعية الخاضعة لها كانت تتبنى أيضاً نفس النمط
ولو على نطاق ضيق بجانب النمط الرأسمالي. حيث تقوم مصلحة الأملاك الأميرية
بتأجير مساحات من الأرض للفلاحين التملّية بإيجار منخفض في مقابل التزام
الفلاح بالعمل في أرض المصلحة نظير أجر أقل من الأجر السائد. كما يحصل التملي على
اثني عشر يوما أجازه بمرتب بخلاف أربعة أيام للعيدين، فإذا تغيب أكثر من ذلك تخصم
منه أجرته وتوقع عليه جزاء آخر في حالة التكرار. وفي نهاية كل عام يُصفى حساب
التملّي فإذا تبقى له شيء من أجرته سلمته له، وإذا تبقى عليه شيء دفعه. أما وزارة
الأوقاف التي تتبع نفس الأسلوب فإنها فتمنح الفلاحين التملّية لديها
أربعة أيام أجازه للعيدين بالإضافة إلى ليلة مولد النبي وليلة عاشوراء وليلة نصف
شعبان وليلة 27 رجب، كما تعطيه حق التغيب بإذن خمسة أيام في السنة. وعند تخلف التملّي
عن العمل تخصم منه أجرة عامل في نفس درجته أو يُستحضر عامل بدلا منه وتوقع عليه
جزاء. وتقوم كل من مصلحة الأملاك ووزارة الأوقاف بتعيين عمال دائمين يُطلق عليهم
اسم (ظهورات) لمساعدة التملّية في العمليات الزراعية، ولكن يجري حساب هؤلاء
الظهورات بشكل يومي أي كأنهم عمال يومية. والفرق بينهم وبين عمال اليومية العاديين
أن الظهورات لهم الأفضلية في الحصول على العمل الذي تحتاج إليه مزارع
المصلحة أو الوزارة، وفي بعض الأحيان تقوم المصلحة والوزارة بتوفير المأوى لهم فقط
بدون أسرهم. أما العمال الخُطرية أو المياومين أو الأجرية فإنهم يستحضرون
للعمل في مواسم معينة فقط كزراعة القطن وجنيه أي لتأدية الأعمال الزراعية التي
تزيد عن طاقة العمال التملّية. وغالبا ما يحصل هؤلاء على أجورهم نقدا بصفة
يومية أو أسبوعية أو كل أسبوعين وهى أقصى فترة لتأجيل دفع الأجرة. ونادرا ما
يحصلون على أجورهم عينا. وعند الحاجة لأعداد كبيرة من العمالة الخُطرية
يكلف شخص (يُعرف بالمتعهد) بإحضارهم مقابل أجرة نفر عن كل عشرة أنفار يقوم
بتوريدهم، أي نحو 10 % ، وتنخفض هذه النسبة كلما ازداد عدد العمال المطلوب إحضارهم.
4
– تقييم نمط الإنتاج التبعي:
وفي
تقييمه لنمط الإنتاج التبعي يقول ألآن تشارلز الأستاذ بجامعة كاليفورنيا أن
ذلك النمط والذي أطلق عليه (نظام العزبة) كان يلجأ إليه كبار المُلاك الذين
يملكون الضياع الكبيرة، بينما كان متوسطي المُلاّك يفضلون نظام المُزارعة. وأن
حاجة القطن للعمالة الكثيفة وطول مدة بقائه في الأرض هي التي دفعت المُلاّك إلى
ربط الفلاحين بالأرض لتوفير الحد الأدنى اللازم لعمليات خدمة المحصول في مرحلة ما
بعد الزراعة لأنه من أكثر المحاصيل احتياجاً لعمليات الخدمة (العزيق المستمر مع
تنقية الحشائش – الري 12 يوم وراحة ستة أيام وفقاً لتقنية عام 1914م)، أما في مرحلتي الزراعة والجني فكان يتم تدعيم هؤلاء
الفلاحين التملّية بفلاحين أُجريه من القرى المجاورة، وفي حالات الطوارئ وعند حفر
وتطهير قنوات الري والصرف التي تحتاج لأعداد كبيرة كان يتم الاستعانة بعمال
التراحيل القادمين من صعيد مصر. ويبلغ متوسط عدد الأيام التي يعمل فيها التملّي في
أرض المالك نحو 25 يوم في الشهر، وكانوا يُقيمون في مساكن غير صحية سيئة التهوية
ولكنها لم تكن أسوأ حالاً مما كانت عليه مساكن صغار الفلاحين في القرى. وفي تبريره
للأجر المنخفض الذي يحصل عليه التملّية يقول تشارلز أنه كان بمثابة نوع من
التأمين ضد البطالة التي كانت منتشرة في الريف بسبب موسمية الزراعة، وكانت قطعة
الأرض التي يزرعها لحسابه الخاص تضمن له ولأسرته محاصيل الغذاء. ويضيف انه لا يوجد
دليل قاطع على أن التملّية لم يمتلكوا حق مغادرة العزبة، ولكن المالك كان يبتدع
العديد من الوسائل التي تمنعهم من ذلك، فعلى سبيل المثال أن المالك في الغالب
الأعم كان يمول الفلاح بمستلزمات إنتاج قطعة أرضه الصغيرة التي يزرعها عادة
بالمحاصيل الغذائية حيث كان محروماً من زراعة القطن داخل العزبة - فالقطن محصول
مالك العزبة فقط - ومن هنا كان على الفلاح الانتظار حتى تنضج محاصيله ليتمكن من
سداد الدين للمالك، وفي العادة لا يتمكن الفلاح من سداد كامل الدين للمالك ومن ثم
لا يستطيع مغادرة العزبة. كما وُجد نظاما لحيازة الماشية داخل العزبة كان منتشراً
عام 1911م، وهو وإن كان نظام مُغرى للفلاح إلا أنه كان من أساليب ربطه بالأرض، ففي
هذا النظام يقوم المالك بشراء الحيوان ثم يَعهد به إلى أحد التملّية ليعنى به
وليطعمه من أعواد الذرة والبرسيم التي يزرعها في أرضه، وفي المقابل كان الفلاح
يحصل على لبن الماشية بينما يحصل المالك على قوة عمل الحيوان، وعند بيع الحيوان
يتناصفا ثمن البيع.
وفي مجال المقارنة بين وضعية تملّي
العِزبة بوضعية فلاح القرن الثامن عشر الذي يعمل في وسية المُلتزم المملوكي يقول
تشارلز
أن التملّي لا يستطيع أن يورث أو يؤجر أو يتنازل لغيره عن قطعة الأرض بينما كان حق
الانتفاع مضموناً لفلاح القرن الثامن عشر على (أرض الفِلاحة) مقابل دفع الضرائب.
وأن مالك العزبة كان عليه إدارة ورقابة جميع أعمال المزرعة ودورة المحاصيل وتنظيم
أمور الري والصرف على جميع أراضي العزبة حتى تلك المؤجرة للتملّية بينما كان المُلتزم يُمارس تلك الأعمال على أرض
الوسية فقط، ولا تمتد تلك الرقابة إلى أرض الفلاحة. والفرق الثالث يكمن في أن فلاح
القرن الثامن عشر كان يُنفق 50 % من وقته في أرض الوسية بينما الفلاح التملّي
يُنفق 83 % من وقته في أرض مالك العزبة.
ومن المشاكل العديدة التي كان يتعرض لها
فلاحو العِزَبْ من التملّية مصادرة أراضيهم في حالة مصادرة أراضي المالك بعد أن
تكون أوضاعهم قد استقرت على نمط العمل والإقامة. فعندما يرهن المالك أرضه ولا يدفع
فوائد دينه يقوم الدائن بالحجز أيضاً على حصص الفلاحين دون ما تمييز، وعادة ما
يكون الفلاحين قد دفعوا ما كان واجباً عليهم للمالك، ومن هنا يفقد الفلاحون مصدر
رزقهم الوحيد دون أن يكونوا هم السبب في تلك المشاكل الكبيرة. فعلى سبيل المثال" كان أحد
المصارف الكبرى قد انتزع عِزبة يملكها أحد أعيان بلدة شبرا ريس من أعمال
مركز كفر الزيات وذلك في يوم 23 ابريل 1936م، وكانت هذه العِزبة تحتوي على عدة قطع
من الأرض مجزأة، وكان عدد كبير من القرويين يقطنها منذ أكثر من عشرين سنة. وحينما
وصل مندوب المصرف ليقوم بإجراءات نزع الملكية، عارض السكان في ذلك، ولم يكن بد
للشرطة من التدخل، فانتقل معاون المركز على رأس قوة مسلحة إلى موضع الحادث، ولكن
الأهلين هاجموه، فلما رأى أن الحالة ستصير أكثر سوءا ألفى نفسه مضطراً إلى إطلاق
عدة طلقات نارية في الهواء ليرهب الفلاحين، غير أن نتيجة هذا المناورات كانت
إثارتهم، فشرعوا في قطع الأسلاك التليفونية وإحراق سيارة المندوب، ولم تلبث قوة
أخرى أن وصلت للنجدة، ولكنها كانت في عدم الكفاية شبيهة بالأولى فأتي المدير نفسه
إلى مكان الحادث على رأس قوة ثالثة. ولم يستقر النظام إلا حين أطلق عدد آخر من
الطلقات في الهواء، وقد جُرِح سبعة من رجال الشرطة، لأن السكان رشقوهم بالحجارة،
وتم القبض على عدد من هؤلاء القرويين". ونلاحظ هنا أنه رغم تواجد كل من نمطي
الإنتاج التبعي والرأسمالي في الزراعة المصرية خلال فترة الدراسة إلا أن الريف
المصري شهد العديد من الممارسات الظالمة من مُلاّك الأراضي تجاه الفلاحين، ولعل
حادثة كفر البرامون في فبراير 1948م تُعطي مثالاً واضحاً لأحد كبار مُلاّك
الأراضي الذي أراد أن يجمع بين ميزات النمطين حيث رغب في الإدارة الرأسمالية
للمزرعة وفي نفس الوقت حرم الفلاحين من حرية التعاقد بل ومنعهم من مغادرة البلدة
بالقوة فهذه البلدة كان يقطنها ثلاثة آلاف فلاح يمتلكون 12 فدان من زمامها البالغ
750 فدان بينما يمتلك (تفتيش افيروف) 736 فدان، وكان المالك يرفض تأجير
الأراضي للفلاحين أو ربطهم بنمط تملّي، وكان يدفع خمسة قروش للعامل في الوقت الذي
كانت فيه أجرة الفلاح في القرى المجاورة ثمانية قروش، واستعان التفتيش بسلطة
العمدة وجهازه في منع الفلاحين من مغادرة البلدة مما أدى في النهاية إلى ثورة
الفلاحين وتدخل البوليس لفرض النظام بالقوة مما أدى لسقوط قتيلين من بين الفلاحين
هما الجميل زايد ورمزي شهد.
·
- ونحاول فيما يلي توصيف نمط (الإنتاج التبعي) في الزراعة الروسية عند
نهاية القرن التاسع عشر عام 1898م، حيث نجد أن سلطة الإرغام لدى المالك الكبير
كانت سلطة قوية رغم أنه ليس بالإقطاعي الذي يمتلك قوة وفرسان يفرض بها ما يشاء.
وقد اختلفت أنواع الاتفاق بين الفلاحين المقيمين وبين والمالك الكبير حيث
يختلط فيها الريع النقدي مع الريع العيني. وقد ظل أجر العمل تحت هذا
النظام أقل بكثير عنه في ظل الاستئجار الحر في النظام الرأسمالي نظرا لأن الريع
العيني الخدمي التبعي أو ريع السخرة أي الإجبار أكثر كلفة من الريع النقدي، ويبلغ
أقصى قيمة لدى أفقر الفلاحين الذين يضطرون إليه خوفا من السقوط إلى مصاف العمال
الزراعيين، بينما يحاول الفلاحون الأيسر حالا الحصول على الأجر لقاء الريع النقدي
ليس لأنه فقط أقل تكلفة بل وللإفلات من الإيجار التبعي. وليؤكد هذا أن الريع
العيني يؤدي في النهاية إلى دمار الفلاح وتحويله إلى عامل زراعي. ومن أمثلة
الاتفاقات بين المُلاّك والفلاحين:
-
مقابل كل هكتارين يستأجرهما الفلاح يقدم
قوة عمله في فلاحة هكتارين ونصف من أرض المالك، وقوة عمل نسائية ليوم واحد أسبوعيا،
بالإضافة إلى عشر بيضات ودجاجة.
-
مقابل 50 هكتار يستأجرهم الفلاح للزرعة الشتوية
فقط كان عليه أن يقدم 800 روبل، بالإضافة إلى دراسة 16 كومة شوفان، ودراسة 7 كومات
من الشعير، ودراسة 20 كومة جودار (حبوب تستخدم كعلف حيوان). ثم تسميد خمسة هكتارات
من الأرض بسماد حيوانات الفلاح بمعدل 300 حمل لكل هكتار، وفي هذه الحالة يشترك
أكثر من فلاح في استثمار هذه الأرض.
-
مقابل 40 هكتار من الأرض للزرعة الربيعية يدفع
الفلاح 480 روبل نقدا …… فلاديمير لينين، تطور الرأسمالية في روسيا، ترجمة:
فواز طرابلسي، دار الطليعة، بيروت، 1979م، صص 115 – 122.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق