تميزت
الدولة المصرية بامتلاكها لنظام إداري قوي يُمكنها من جمع الضرائب الزراعية ،
والتي كادت أن تكون المصدر الوحيد لتمويل خزانة الدولة . ولضمان الاستقرار في
البلاد كان لابد من وجود قدر من العدالة في تقدير تلك الضرائب ، ومن هنا جاءت
أهمية تصنيف الأراضي تبعا لخصوبتها وقدرتها الإنتاجية حيث أُتخِذ ذلك التصنيف كأساس
لتقدير قيمة الضريبة الزراعية.
التصنيف
في عهد الفراعنة:
كانت
الدولة المصرية القديمة تقوم بتصنيف الأراضي بغرض جمع الضرائب إلا أنه لا تتوفر
وثائق كافية للتدليل على ذلك ، وأول وثيقة توفرت كانت بردية فلبور والتي تعود لعهد
الرعامسة في الدولة المصرة الحديثة حوالي 1580ق.م ، والتي صنفت الأراضي على النحو
التالي وحيث تبلغ مساحة وحدة المساحة المستخدمة ( السثاة ) نحو 2735 مترا مربعا :
1- الأراضي المتوسطة
والتي تقدر إنتاجيتها بنحو 1.875 إردب / سثاه تدفع ضريبة إنتاج قدرها 9.1 % بالإضافة إلى ضريبة تحصيل 6.25 % فيكون الإجمالي 15.35 % .
2- الأراضي الجيدة
والتي تقدر إنتاجيتها بنحو 2.813 إردب / سثاه تدفع ضريبة إنتاج قدرها 14.3 % بالإضافة إلى ضريبة تحصيل 6.25 % فيكون
الإجمالي 20.55 % .
3- الأراضي الممتازة
والتي تقدر إنتاجيتها بنحو 3.75 إردب / سثاه تدفع ضريبة إنتاج قدرها 20 % بالإضافة إلى ضريبة تحصيل 6.25 % فيكون الإجمالي 26.25 % .
التصنيف
في عهد الفاطميين:
في
عهد الفاطميين ( 969 - 1771م ) كان لتصنيف الأراضي الزراعي أهميه كبيره عند تقدير
خراج الأرض ، وقد ورد باستمرار تصنيف الأرض إلى ثلاث درجات ( عال ووسط ودون ) ،
إلا أنه أمكن حصر تصنيفات الأراضي الزراعي زمن الدولة الفاطمي على النحو التالي:
1- البواقى : وهى أخصب الأراضي ،
وخصصتها الدولة لزراعة القمح والكتان .
2- الشراقى : وهى أراضى أظمأت في
السنة السابقة ولم تصلها المياه وبالتالي لم
تزرع . وعندما رويت حصل بها من الري بمقدار ما حصل بها من الظمأ ، فكانت مستريحة وأتت بمحصول طيب . وهى تتبع
البواقى من حيث الجودة .
3- البرايب : وهى أقل مرتبه من
الشراقى ، وتأتى زراعتها بعد القمح والشعير مما
يجعلها مجهده فلا تغل مثل سابقتها ، وغالبا ما تزرع بمحاصيل غير مجهده مثل (البرسيم) والمقاتى ( الخيار ) .
4- البقماهه :
وهى الأرض التي زرعت بمحصول الكتان فأجهدها ، لذلك يأتي محصول القمح المزروع بعده ضعيف الحبة قليل الإنتاج .
5- الشتونيه :
وهى الأراضي التي لم يصل إليها الماء خلال العام الماضي بسبب انخفاض النيل وأصبحت بورا ثم اضطروا لزراعتها فأتى المحصول ضعيفا ، لذلك
فهي دون الشراقى من حيث المحصول .
6- السلايح : وهى الأرض التي
رويت ثم حرثت أو رويت ثم بارت وتركت فحرقت
وتعطلت . وغالبا ما يترك الفلاح هذه الأرض إلى العام التالي ويحرثها أكثر من مره لتهويتها فتأتى بمحصول وفير ،
وهذا النوع من الأراضي ينتشر بصعيد
مصر .
7- البرش النقاء :
وهى الأرض المحروثة بعناية وخاليه من الحشائش والأعشاب
الضارة بالزراعة ، فتأتى زراعتها بمحصول جيد .
8- الوسخ المزروع :
وهى الأرض التي لا يتم إزالة كل ما بها من العشب والحلفاء
التي تضر بالزرع ، وعند حرثها وزراعتها يأتي المحصول غير جيد ومختلطا بالأعشاب .
9- الوسخ الغالب :
وهى الأراضي التي غلبت فيها الحشائش والأعشاب مما جعل محصولها لا يذكر ، وغالبا ما تتحول هذه الأراضي إلى مراع
للماشية حتى يتم إزالة ما بها من حشائش وحلفا . ويعتبر هذا النوع من الأراضي ما بين العامر والغامر .
10- الخرس : وهى الأرض الفاسدة ذات
القلوية الذائدة ، لونها أزرق وبها قلاقيل،
وانتشرت بها الحشائش والحلفا وتوغلت في الأرض بدرجة يصعب إزالتها . وهذه الأرض لا تتقبل أي نوع من المزروعات وغالبا ما
تتحول إلى مراع للدواب .
11- شراقى السنة :
وهى الأراضي التي شرقت نتيجة لعدم وصول الماء إليها لأي سبب . وتختلف عن الأرض الشراقى في أنها تزرع في نفس السنة ولا تترك
للعام التالي ، وتأتى بمحصول ضعيف .
12- المستبحر :
وهى الأرض التي غمرها ماء الفيضان واستمر فيها مدة أطول من اللازم حتى يأتي وقت الزراعة ولم ينصرف الماء عنها
فتتعطل زراعتها موسما كاملا ، وأحيانا
تستخدم كبركة مياه تُروى منها الأراضي الزراعية
الجاورة .
13- السبخة : وهى الأراضي التي
استملحت ، أي ارتفعت بها نسبة الأملاح ونسبة
السماد البلدي حتى أصبحت غير صالحه لزراعة الحبوب . وتزرع أحيانا بالباذنجان ، كما تستخدم لعمل السباخ .
التصنيف
في عهد العثمانيين:
تضمن
قانون نامة سليمان في عهد العثمانيين ( 1517 - 1798 ) قواعد تقدير الضرائب على
الأراضي الزراعية ، فاشترط أن تكون عملية مسح الأراضي وقت نمو الزرع على أن تسجل
في سجل الشاهد ثم تفرغ في بطاقة خاصة بكل قرية يتم على أساسها جمع الأموال
المفروضة . ونظرا لاختلاف المحصول باختلاف خصوبة التربة فقد قسمت الأراضي إلى ثلاث
درجات (عال، ووسط، ودون) وكان الملتزم يحصل الضريبة على ثلاث أقساط . ولم
تكن الضريبة الرسمية تشكل عبئا كبيرا على الفلاحين ، ولكن العبء الحقيقي تمثل في
مجموعة كبيرة من الضرائب الأخرى والتي تفوق في قيمتها ضريبة الميرى . كانت الأراضي
الدون تضم أراضى (المناجزة) وهى الأراضي الضعيفة التي لا تزرع بصورة جيدة ،
وأراضى (بور الحوالى) وهى الأراضي التي يصيبها البوار في بعض السنوات وتزرع
في سنوات أخرى . كما كانت هناك تصنيفات أخرى للأراضي تبعا لمدى سهولة الري وذلك
على النحو التالي :
1- أراضى البياتي وهى أراضى تغمرها مياه النيل من لحظة فتح الترع
حتى قطع جسور لزراعتها ، وهى لا تحتاج لري منذ زراعتها حتى حصادها .
2- أراضى الشتيوي وهى
أراضى لم تغمرها مياه الفيضان أو
غمرتها لمدة غير كافية فتتطلب زراعتها ريات أخرى .
3- أراضى القيظى وهى أراضى تزرع
صيفا حيث تكون مياه النيل في أقصى انخفاض
لها ، ويتم رفع المياه إليها بصعوبة بالغة .
4- أراضى الدميرى وهى أراضى تزرع في العروة النيلى ، وتكون أراضى واطئة يسهل ريها .
5- أراضى النبارى وهى أيضا أراضى تزرع في العروة النيلى ولكنها
أراضى مرتفعة تحتاج لنقل مياه الري
إليها .
وعلى ذلك يضم الموسم
الشتوي أراضى لا تحتاج لري (البياتى)، وأراضى تحتاج لري (الشتيوى) . كما يضم
الموسم النيلى أراضى لا تحتاج لري (الدميرى)، وأراضى تحتاج لري (النبارى)، وجميع
زراعات الموسم الصيفي تعد من الزراعات صعبة الري.
التصنيف
في عهد محمد علي:
يمكن
القول أنه لم يكن هناك ثبات في تصنيف الأراضي الزراعية بغرض جباية الضرائب طوال
عصر محمد على (1804 - 1845م ) ، سواء من حيث فئات التصنيف أو من حيث عبئ
الضريبة ولا تتوفر حتى الآن وثائق كافية
يمكن الاستناد إليها عند دراسة هذا الموضوع . إلا أنه يمكن تتبع ذلك التصنيف على
النحو التالي :
1- في عام 1809م وبعد الانتهاء من مسح
1808م تم وضع سجلات الضرائب بعد تصنيف
الأرض إلى أربع فئات تتدرج من الأولى إلى الرابعة وعلى أن تكون قيمة فئات الضريبة على الفدان (800 - 900 - 1000 -
1100 باره) .
2- بعد مسح الأراضي عام 13/1814م أعيد تصنيف الأراضي على أساس خمس فئات وقدرت قيمة الضريبة بنحو (10 - 11 -
12 - 13 - 14 - 15 ريال). وفى ذلك العام أيضا تم توحيد الضرائب الزراعية في ضريبة واحدة
عرفت باسم المال.
3- في عام 20/1821م أجُري مسح للأراضي صُنفت فيه الأراضي إلى ستة فئات، وفي عام 1826م صنفت الأراضي المروية إلى
ثلاث فئات، وفى عام 1833م صُنفت
الأراضي الزراعية تبعا لفئات الضريبة.
الإعفاءات
الضريبية:
كما
كانت نوعية الأرض سبباً في تمتع الفلاحين بمجموعة من الإعفاءات الخاصة التي تقررها
الحكومة تحت ظروف معينة كالامتناع عن زراعة الأرض إذا كان ذلك بسبب:
( أ ) سبخة الأرض وفسادها:
أي تحولها إلى أرض سبخة نتيجة لرشح الترع والجسور وليس نتيجة لإهمال رعاية الأرض ،
أو فساد الأرض بسبب زحف الرمال .
( ب ) شراقى الأرض:
في حالة الفيضان المنخفض ، وعندما لا تفى المياه لري جميع الأطيان فيترك بعضها دون
زراعة ويطلق عليه الشراقى . وكانت الحكومة تعفى أطيان الشراقى من المال ، وأحيانا
تشترط أن تزيد المساحة غير المزروعة عن 10% من الزمام ، وأحيانا تعفى شراقى القرى
الفقيرة ولا تعفى شراقى القرى المقتدرة ، وأحيانا جمعت نصف المال من أرض الشراقى .
ومع نظام العهدة لم تعفى الشراقى من المال ، وفى سبتمبر 1842م تقرر عدم إعفاء
الشراقى .
( ج ) استبحار الأرض:
في حالة الفيضان المرتفع ، وعندما تغطى المياه بعض الأراضي ولا تنصرف عنها في
الوقت المناسب للزراعة فتترك دون زراعة ويطلق عليها الأطيان المستبحرة . كان من
المتبع في الصعيد إعفاء أربعة أخماس تلك الأرض من المال وتحصيل مال الخمس عليها
حتى قرر محمد على إعفائها من كامل الضرائب ابتداء من عام 1822م مع سريان ذلك
الإعفاء على الوجه البحري . إلا أنه تقرر ابتداء من عام 1834م إعفاء الأطيان
المستبحرة في القرى الفقيرة فقط وعدم إعفاء القرى المقتدرة .
(
ء ) تلف الزروع: في حال زراعة الأرض بالفعل ثم تلف الزروع بسبب خارج عن إرادة
الفلاح مثل اجتياح مياه الفيضان لأراضى مزروعة بالفعل ، أو احتراق الزرع بالنيران
، أو دمار الزرع بالبرد ، أو هلاكه بسبب الآفات السماوية أو الأرضية كما كان يطلق
عليها فان المال يفرض على خمس المساحة وتعفى الأربعة أخماس وابتداء من عام 1822م تقرر إعفاء كامل المساحة.
دكتور/
محمد مدحت مصطفى
أستاذ
الاقتصاد االزراعي بجامعة المنوفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق