الاثنين، 25 يوليو 2016

الإنتاجية الفدانية والإنتاجية الفعالة





تأتي مساحة الأرض المزروعة في مقدمة المتغيرات المؤثرة على حجم الإنتاج الزراعي، فكلما ازدادت المساحة المزروعة زاد حجم الإنتاج، والعكس صحيح. وفي هذا الصدد يتم التفرقة بين قضيتان هامتان: الأولى هي التوسع في مساحة الأراضي الزراعية، والثانية زيادة عدد مرات زراعة تلك الأراضي. يتم التعبير عن الأولى بمساحة الأرض الزراعية، وعن الثانية بالمساحة المحصولية. ويتم قياس العلاقة بينهما باستخدام مُعامل التكثيف الزراعي، وهو يُعادل خارج قسمة المساحة المحصولية على المساحة الزراعية.


مُعامل التكثيف الزراعي = المساحة المحصولية ÷ المساحة الزراعية

فعلى سبيل المثال بلغت مساحة الأرض الزراعية في مصر عام 1818م نحو 3.055 مليون فدان، بينما بلغت المساحة المحصولية 2.032 مليون فدان، أي أن المساحة المنزرعة بالمحاصيل الزراعية كانت أقل من مساحة الأرض الزراعية، وانعكس ذلك على مُعامل التكثيف حيث بلغ 0.665 أي أقل من الواحد الصحيح. واستمر ذلك الحال حتى عام 1840م حيث بلغت مساحة الأرض الزراعية إلى 3.856 مليون فدان، بينما بلغت المساحة المحصولية 3.133 مليون فدان، ليرتفع مُعامل التكثيف إلى 0.813. وتعادلت لأول مرة مساحة الأرض الزراعية مع المساحة المحصولية في عهد الخديوي إسماعيل عام 1879م حيث بلغت مساحة الأرض الزراعية 4.810 مليون فدان، والمساحة المحصولية 4.792 مليون فدان، ليصل مُعامل التكثيف إلى 0.996، وفي عام 1913م بلغت المساحة الزراعية 5.460 مليون فدان ،وبلغت المساحة المحصولية 7.713 مليون فدان ليصل مُعامل التكثيف إلى 1.413 ، أما المساحة المحصولية عام 1997م فقد بلغت نحو 13.829030 مليون فدان بينما بلغت مساحة الأرض الزراعية نحو 7.4 مليون فدان ليرتفع مُعامل التكثيف إلى 1.869 . إلا أنه عند حساب الإنتاج الكلي للمحاصيل يجب النظر إلى التركيب المحصولي أي المساحات المنزرعة من المحاصيل المختلفة والتي يُعادل مجموعها المساحة المحصولية.

 

أما الإنتاجية الفدانية فيُقصد حجم ما يُغِله الفدان من المحصول المزروع. ويتم حساب متوسط الإنتاجية الفدانية عن طريق قسمة حجم الإنتاج الكلي من المحصول على المساحة الكلية المنزرعة بهذا المحصول. ونظراً لاختلاف هذه الإنتاجية باختلاف العديد من المتغيرات فإنه من الأفضل أن يتم حساب الإنتاجية تبعاً لأهم متغيرين، وهما الصنف المزروع ومكان الزراعة، حتى يُمكن تحديد أفضل الأصناف وأفضل مكان للزراعة وذلك على النحو التالي.
- متوسط إنتاجية الصنف:
متوسط الإنتاجية الفدانية للصنف (س) = حجم الإنتاج الكلي من محصول
الصنف (س) ÷ المساحة الكلية المنزرعة بالصنف (س)

- متوسط إنتاجية الموقع:
متوسط الإنتاجية الفدانية للموقع (س) = حجم الإنتاج الكلي من المحصول في الموقع (س) ÷ المساحة الكلية المنزرعة بالمحصول في الموقع (س)

- المتوسط العام لإنتاجية الفدان:
المتوسط العام لإنتاجية الفدان = حجم الإنتاج الكلي من المحصول ÷ المساحة الكلية المنزرعة بالمحصول

وتُشير البيانات الخاصة بالزراعة المصرية إلى حدوث تطور كبير في إنتاجية غالبية المحاصيل خلال العشرون عاماً الأخيرة في الوقت الذي ظلت تعاني فيه من ركود شديد طوال الفترة السابقة. وقبل التعرف على حجم ذلك التطور يجدر بنا التعرف على الموقف العالمي إزاء هذا الموضوع حتى يتسنى لنا معرفة حجم الفرق بين ما حدث من تطوير هنا وما حدث من تطوير مماثل في العالم.

جدول رقم (1-9) مساحة، وإنتاج، وإنتاجية، وتصلفي تبييض أهم أصناف محصول الأرز
عام 1997م
الصنف
المساحة بالفدان
الإنتاجية بالطن
الإنتاج بالطن
نسبة التبييض %
جيزة 171
جيزة 172
جيزة 176
جيزة 177
جيزة 178
أصناف أخرى
750952
98825
171276
168256
295579
62466
3.502
3.297
3.361
3.551
3.815
3.287
2629837
325826
575658
597477
1127634
205326
72.0
72.0
72.0
71.5
71.5
72.0
الإجمالي
1547354
3.535
5469896
72.0

جدول رقم (2-9) مساحة، وإنتاج، وإنتاجية محصول الأرز موزعة على محافظات الجمهورية
عام 1997م
المحافظة
المساحة بالفدان
الإنتاجية بالطن
الإنتاج بالطن
جملة الوجه البحري
1489105
3.560
5291370
جملة مصر الوسطى
36651
3.017
110560
جملة مصر العليا
-
-
-
جملة محافظات الصحارى
8163
3.000
24489
جملة الأراضي الجديدة
15953
2.700
43073
إجمالي الجمهورية
1549872
3.536
5469492

1 المقارنة الدولية في الإنتاجية:
تُشير بيانات الجدول الخاص بالإنتاجية المقارنة لأهم المحاصيل أن الزراعة المصرية عام 1994م احتلت المركز الأول في إنتاجية ثلاث محاصيل هي: الأرز والعدس والذرة الرفيعة. حيث حققت مصر في محصول الأرز 3.200 طن/فدان ، تليها الولايات المتحدة بمتوسط قدره 2.656 طن/فدان، ثم كوريا الجنوبية بمتوسط قدره 2.542 طن/فدان. وفي محصول العدس حققت مصر 4.519 إردب/فدان، تليها أيضاً الولايات المتحدة بمتوسط قدره 3.349 إردب/فدان  ثم تركيا بمتوسط قدره 2.310 إردب/ فدان. وفي محصول الذرة الرفيعة حققت مصر 14.585 إردب/فدان، تليها الصين بمتوسط قدره 5.401 إردب/فدان، ثم أوغندا بمتوسط قدره 4.703 إردب/فدان. والمُلاحظ هنا الفارق الكبير في إنتاجية الذرة الرفيعة بين ما تحققه مصر وما تحققه الصين التي تحتل المركز الثاني، وهو فارق غير مفهوم قد يرجع إلى عدم الاهتمام بزراعة هذا المحصول على المستوى العالمي مقارنة بمحاصيل الحبوب الأخرى. أما بالنسبة للمحاصيل الأخرى فكان الوضع على النحو التالي:
-    هناك مجموعة من المحاصيل لا يُعَد الفارق فيها كبيراً بين مصر وبين من يحتل المركز الأول، وهي محاصيل القطن وقصب السكر والسمسم والفول السوداني.
-    هناك مجموعة أخرى يُعَد الفارق فيها كبيراً بين مصر وبين من يحتل المركز الأول وهي محاصيل القمح والشعير والذرة الشامية والبصل والبطاطس. فرغم أن ترتيب مصر الثامن في إنتاجية محصول القمح بمتوسط قدره 14.329 إردب/فدان، إلا أن هولندا تحقق 22.610 إردب/فدان. وفي الذرة الشامية أيضاً تحتل مصر المركز الثامن بمتوسط قدره 18.110 إردب/فدان، إلا أن اليونان تحقق 29.612 إردب/فدان. وفي البصل تحتل مصر المركز الخامس بمتوسط قدره 9.801 طن/فدان، إلا أن اليابان تحقق 18.713 طن/فدان. وفي البطاطس تحتل مصر المركز السادس عشر بمتوسط قدره 8.322 طن/فدان، بينما تحقق هولندا 17.642 طن/فدان. هذه الحقائق توضح أنه ما زال أما الزراعة المصرية آمال كبيرة في تحقيق مزيد من زيادة الإنتاجية في هذه المجموعة من المحاصيل الغذائية الهامة.

جدول رقم (3-9) الترتيب الدولي لمصر من حيث إنتاجية بعض المحاصيل

مصر

الدولة الأولى

المحصول
اترتيب
الإنتاجية
المساحة
الدولة
الإنتاجية
المساحة
قمح
شعير
ذرة شامية
فول
فول سوداني
سمسم
بصل
قصب سكر
بطاطس
قطن
8
31
8
3
4
2
5
3
16
3
14.329
6.979
18.11
5.24
12.772
4.259
9.801
43.445
8.322
8.264
2159
182
2002
316
56
59
60
272
155
859
هولندا
بلجيكا
اليونان
فرنسا
أمريكا
إثيوبيا
اليابان
بيرو
هولندا
سوريا
22.610
21.325
29.612
10.390
14.729
6.452
18.713
44.558
17.642
8.960
292
211
518
34
1710
147
72
127
421
458
* الحبوب بالإردب ، البصل والقصب والبطاطس بالطن ، القطن بالقنطار المتري .

2- تطور الإنتاجية في مصر:
بالنظر إلى تطور إنتاجية أهم المحاصيل في الزراعة المصرية يتبين أنه قد تحققت قفزة كبيرة في إنتاجية بعض المحاصيل، بينما كان التطور بطيئاً في إنتاجية محاصيل أخرى. ويوضح الجدول المُرفق بيان بمتوسط إنتاجية الفدان من أهم المحاصيل خلال الفترات العشرية للقرن العشرين. حيث يتضح أن محصول القمح يأتي على رأس هذه القائمة حيث حققت الإنتاجية الفدانية زيادة قدرها 224.95% خلال الفترة من عشرينات هذا القرن إلى التسعينات منه، يليه محصول الذرة الشامية بنسبة قدرها 194.97%، ثم محصول الأرز بنسبة قدرها 150.00%. أما المحاصيل التي حققت إنتاجيتها زيادة بنسبة تقل عن 100% فكانت محصول الذرة الرفيعة الذي حقق زيادة قدرها 85.79%، ثم محصول الشعير بنسبة 59.08%، يليه محصول الفول بنسبة 54.99%، والقطن بنسبة 46.22%، وأخيراً يأتي محصول قصب السكر الذي حقق زيادة في الإنتاجية الفدانية قدرها 23.21% فقط.    

جدول رقم (4-9) تطور متوسط الإنتاجية الفدانية لبعض المحاصيل

البيان
القمح
الشعير
الذرة الشامية
الذرة الرفيعة
الفول
الأرز
طن
القطن قنطار
القصب
قنطار
20 1929
30 1939
40 1949
50 1959
60 1969
70 1979
80 1989
90 - 1998
4.81
5.54
4.86
6.04
7.20
9.07
11.06
15.62
5.62
6.61
6.43
7.68
8.81
9.47
9.63
8.94
6.76
7.18
6.02
6.34
9.02
11.15
14.18
19.94
-
7.11
7.75
8.78
11.14
11.80
11.82
13.21
4.31
4.61
4.88
4.38
5.24
6.28
6.63
6.68
1.30
1.39
1.43
1.86
2.17
2.24
2.38
3.25
4.05
4.48
4.81
4.30
4.70
5.62
7.71
7.58
-
760
624
806
863
798
809
935
* الحبوب بالإردب عدا الأرز بالطن

3- أثر تطوير الأصناف:
من المعروف أن استمرار زراعة أحد الأصناف يؤدي إلى تدهور الصفات الوراثية للصنف، وعلى ذلك تقع على عاتق معاهد ومراكز البحوث المتخصصة مهمة تربية سلالات جديدة حتى يُمكن المحافظة على هذه الصفات إن لم يُمكن استنباط سلالات جديدة ذات صفات نوعية وكمية افضل. والصنف الجديد بصفة عامة تأخذ إنتاجيته في التزايد التدريجي حتى يستنفذ صفاته الوراثية لتبدأ إنتاجيته في التدهور بعد ذلك حتى تصل إلى الحد الذي يتعين فيه إزاحته ليحل صنف آخر محله. ونقدم في هذا القسم مثالان واحد تاريخي خاص بمحصول القطن لتوضيح مدى الاهتمام التاريخي للدولة بالتحسين الفني للإنتاج الزراعي، والثاني مثال مُعاصر خاص بتحسين سلالات محصول الأرز.

القطن كمثال تاريخي:
لا يستطيع أي باحث في الزراعة المصرية أن يتحدث عنها دون أن يتطرق لمحصول القطن الذي كان محور تطور الاقتصاد المصري كله وليس الاقتصاد الزراعي فقط. وقد امتدت آثار ذلك المحصول إلى الحياة الاجتماعية والثقافية المصرية مما يجعل منه مجال خصب للدراسات متعددة الجوانب. ولكن نظراً لأننا هنا بصدد التحدث عن التحول في التقنيات الزراعية يُصبح من المناسب التعرض لأهم مشكلة تعرض لها القطن المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين ألا وهي مشكلة تدهور الإنتاجية ومتابعة المجهودات التي تمت لمواجهة هذه المشكلة بعد أن وضعته في مواجهة صعبة مع الأقطان المنافسة له. وتوضح البيانات الخاصة بإنتاجية الفدان من محصول القطن خلال تلك الفترة أن محصول الفدان لم ينخفض عن أربعة قناطير حتى عام 1915م حيث بدأ معدل الهبوط في التزايد حتى عام 1924م، أي لمدة عشر سنوات. كما يُضاف إلى ذلك تدهور الصفات بشكل أصبح يهدد الاقتصاد القومي كله. وعندما تنبهت أقوى قوتين في العالم في ذلك الوقت وهما إنجلترا والولايات المتحدة إلى أهمية إنتاج القطن، قامت الأولى بعمليات تحسين الري في السودان وتخصيص منطقة الجزيرة لزراعة القطن المصري، وقد ترافق ذلك مع ما عُرِف بالمشكلة السودانية بين مصر وإنجلترا، إلا أن تلك المشكلة في حقيقتها مشكلة اقتصادية قطنية قبل أن تكون مشكلة سياسية. فإنجلترا تريد أن تجعل من السودان مزرعة قطنية لمصانع لانكشير التي قد تخصصت في استهلاك القطن المصري الطويل التيلة. أما أمريكا فقد سلكت طريقا آخر نظرا لظروفها المناخية المتعددة، ففي عام 1901م استوردت الولايات المتحدة كثيرا من الأصناف المصرية لأعمال التربية النباتية. وفي عام 1912م انتخبت طفرة من صنف الميت عفيفي المصري أُطلق عليها اسم يوما Yummy ذو صفات أقل من صفات القطن المصري ولكنه يصلح للظروف الأمريكية، واستمرت زراعته على نطاق ضيق حتى تم التوصل إلى صنف أُطلق عليه "القطن الأمريكي المصري - بيما Pima". وفي عام 1923م تم تحسينه نتيجة للتهجين بين البيما والسكالاريدس المصري، واستمرت عمليات التحسين مع الاحتفاظ باسمه "البيما" لما لذلك من أهمية في السوق العالمي، وأصبح الآن يحتل المكانة الأولى في العالم ، ويُعد أكبر منافس للقطن المصري.

وتبين أن أهم أسباب تدهور إنتاجية الفدان من القطن كانت:
- نقص خصوبة التربة وإجهادها، خاصة في الأراضي التي تحولت من ري الحياض إلى الري دائم.
- دخول دودة اللوز القرنفلية Platyetra Gossypiella   إلى البلاد عام 1910م، وانتشارها بسرعة وبائية عام 1914، وكانت السبب في ثلث الخسارة التي حدثت للمحصول خلال الفترة 1915 - 1919م.
- انتشار زراعة صنف السكلاريدس حتى بلغت نسبة المساحة المنزرعة منه عام 1922م نحو 75 % من جملة مساحة الأقطان مع العِلم بأنه صنف منخفض المحصول، وذلك بغرض الاستفادة من صفاته الجيدة التي يُقبل عليها الغزالين.
- التوسع في الطلب على القطن المصري دفع المزارعين إلى  زراعته حتى في الأراضي الضعيفة والمستصلحة حديثا، وهي ضعيفة الإنتاجية بطبيعة الحال.

أما عن أسباب تدهور جودة القطن المصري بعد الشهرة الواسعة التي حصل عليها في الأسواق العالمية منذ بداية القرن حتى العشرينات منه، حيث بدأت تظهر شكاوى الغزالين من تدهور الصفات وانحطاط الجودة ، تبين أن هذه الشكاوى ترجع إلى:
- تدهور صفات صنف السكالاريدس،  والأصناف الأخرى نتيجة التربية الداخلية، وهو ما يُعرَف بالتدهور الطبيعي.
- كثرة الأصناف بشكل لا تدعو إليه البيئة المصرية، ولا الأسواق العالمية. حتى بلغ عددها عام 1927م نحو 22 صنفا.
- الخلط بين الأصناف، حيث كانت تُخلط الأصناف الأقل ثمنا بالأصناف التي تعلوها طمعا في ربح غير مشروع. أو عن طريق الخلط غير المقصود، كالذي يحدث  بين البذور في المحالج، أو عند الترقيع بأصناف مخالفة. وبلغت شدة الخلط بين صنفي النوباري والميت عفيفي منذ عام 1923م أن ظهر صنف جديد كان يُطلب باسم البني المصري  Brown Egyptian . بعد تلك المرحلة من المعاناة. استمرت الجهود من أجل الارتقاء بزراعة محصول القطن في مصر، وقد تمثلت تلك الجهود في تطوير زراعة المحصول، وطرق مقاومة الآفات، بالإضافة إلى استنباط أصناف جديدة مرتفعة الجودة. كما قامت الدولة بإصدار مجموعة من التشريعات القانونية الخاصة بالحفاظ على مواصفات المحصول على النحو التالي: 
- تطوير الزراعة ومقاومة الآفات:
كان لمشروعات الصرف الزراعي بعد الانتهاء من تنفيذها أثر كبير على تحسين التربة. كما كان للبحوث العِلمية في تلك الفترة المبكرة أثر كبير في تطوير فنيات زراعة القطن، والعدد الملائم والواجب زراعته من الشجيرات للفدان الواحد مع تطوير عمليات إعداد التربة، والاهتمام بالتسميد. كما أمكن التغلب بشكل كبير على مشاكل ديدان اللوز حيث تم تجهيز جميع المحالج بآلات التسخين الكافية لعلاج بذرة القطن سواء المُعَد منها للتقاوي أو المستخدم في العصير. وكانت النتائج جيدة فانخفضت نسبة إصابة البذور من 30%  إلى نحو 10%، كما انخفضت كمية الخسارة في المحصول من 180 رطل من القطن الشعر إلى نحو 60 رطل. كما تم التوسع في عمليات مقاومة دودة ورق القطن، وتنبيه المزارعين إلى خطورتها.

- استنباط الأصناف الجديدة:
ينتمي القطن المصري إلى النوع G. Barbadense  أما الأصناف المنتجة من هذا النوع فلها تاريخ طويل من التهجين الطبيعي بين الصنف جوميل محو الذي اكتشفه الفرنسي جوميل في مزارع محمد على عام 1820م كشجيرات متميزة بين الآلاف من الشجيرات الأخرى -أي بالانتخاب الطبيعي- وبين أصناف أخرى كان يتم استيراد بذورها بغرض التوسع في زراعة المحصول الجديد بعد أن ثبت التأثير الإيجابي القوي للبيئة الطبيعية المصرية على هذا المحصول. وليس أدل على ذلك القفزة الكبيرة في المساحة المنزرعة من القطن، وكذلك كمية صادراته للدول الأجنبية. أما تدهور إنتاجية محصول القطن خلال الربع الأول من القرن العشرين فكان محصلة لعدة أسباب من بينها تدهور الأصناف المنزرعة. إن الشهرة الكبيرة التي اكتسبها القطن المصري ترجع بدرجة كبيرة إلى صنف السكالاريدس، عندما قام الخواجه سكالاريدس عام 1901م بجمع بذور منتقاة من صنف الميت عفيفي وكانت تتميز بنعومتها وطول تيلتها وقام بزراعتها في مساحة مستقلة، وكانت النتائج باهرة، حيث لم تتدهور صفات هذا الصنف إلا بعد نحو ثلاثون عاما من الزراعة المستمرة، بينما لم تصمد العديد من الأصناف المنتخبة الأخرى مثل السلطاني ، التيودورو ، النانوبولو ، الفاروقي ، وفتحي وغيرها.

          تعود صعوبة استنباط الأصناف الجديدة إلى تعقيد التركيب الكروموزومي لنوع G. Barbadense  لأنه ثنائي تضاعف الهجين Amplidiploid  خصوصا أنه نشأ في الأصل بالتهجين الطبيعي بين عدة أصناف، فنجد الترابط العكسي بين عدة صفات مثل: الجودة العالية مع نسبة تصافي منخفضة، الجودة الجيدة مع الإصابة بالذبول، تصافي الحليج مع وزن البذرة، المتانة مع طول التيلة ونعومتها. وقد تم التغلب على معظم هذه المشكلات على المستوى الاقتصادي فكان صنف المعرض من أهم تلك الأصناف الجديدة، وتمت زراعة 700 فدان منه عام 1925م، ارتفعت في العام التالي إلى 4.5 ألف فدان، ثم 12.5 ألف فدان عام 1927م، وتجاوز مساحة المائة ألف فدان عام 1939م. وفي عام 1930م أي بعد خمس سنوات من ظهور المعرض ظهر صنف "الجيزة 7"، وهو صنف وفير الإنتاج ذو جودة مرتفعة  سرعان ما انتشر ليحل محل السكالاريدس الذي بدأ عرشه يترنح منذ عام 1933م، إلا أنه استمر في الصمود سبع سنوات أخري حتى تنتهي زراعته تقريبا عام 1940م. وكان ظهور "الجيزة 7" بداية جديدة لتوجيه الاهتمام بوفرة المحصول مما انعكس بالتالي على إنتاجية الفدان بالزيادة، مما دفع جهود المختصين بشدة إلى هذا الاتجاه. وكانت شكاوى الغزالين في العالم وخاصة أوربا من تعدد أصناف القطن المصري، وخلط الأصناف دافعا لوضع سياسة صنفيه جديدة تعمل على خفض عدد أصناف القطن المزروعة داخل كل درجة من درجات الجودة المختلفة. فبعد أن بلغ عدد الأصناف المزروعة 22 صنفا في موسم 26/1926م، انخفضت إلى 17 صنفا في موسم 31/1932م، ثم إلى 10 أصناف في موسم 46/1947م، وأخيرا خمسة أصناف في موسم 50/1951م. وكان الإحلال على النحو التالي:
- في الأقطان الممتازة: ظهر الصنف آمون، ثم جيزة 39. ولا تقابلها أصناف قديمة في متانة الغزل.
- في الأقطان الجيدة: ظهر كل من الملكي، الكرنك، والمنوفي على الترتيب لتحل محل السكالاريدس، بانوفيتش، سخا 4، والمعرض من الأصناف القديمة.
- في الأقطان المتوسطة: ظهر الجيزة 30، ليحل محل كل من العفيفي، جيزة 7، كازولي، والوفير من الأصناف القديمة.
- في الأقطان المنخفضة: ظل الأشموني متربعا على عرش هذه المجموعة، واختفى تماما صنف الزاجوراه، والذي  كانت مواصفاته أقل بكثير.

جدول رقم (5-9) تطور أصناف القطن المصري في النصف الأول من القرن العشرين .
                                                                              (عَدُ نمرة 60 مسّرح )
متانة
أصناف جديدة
أصناف قديمة
الغزل
الصنف
المتانة
الصنف
المتانة
3000 فأكثر
جيزة 39
3120
-
-
2500 > 3000
ملكي
2950
سكالاريدس
2750

كرنك
2700
بانوفيتش
2650

منوفي
2580
سخا 4
2600

-
-
معرض
2500
2000 > 2500
جيزة 30
2200
عفيفي
2400



جيزة 7
2350



كازولي
2300



وفير
2200
أقل من 2000
أشموني
1850
أشموني
1790



زاجوراه
1580
المصدر:
- محمد على الكيلاني، تقدم محصول القطن في الخمسين سنة الأخيرة ، مجلة الفلاحة، جمعية خريجي المعاهد الزراعية، السنة الحادية والثلاثون، العدد الثالث ، القاهرة ، مايو - يونيه 1951م ، ص 234 .

- التشريعات المُنظمة:
قامت الدولة بإصدار عدد من التشريعات الخاصة بحماية جودة وأصناف القطن المصري بغرض إفساح طريق المنافسة أمامه في السوق العالمي. وكان من أهم تلك التشريعات:
- القانون رقم 4 لسنة 1926م المُعدل بالقانون رقم 51 لسنة 1934م، والخاص بتحريم خلط القطن سواء كان ذلك في الحقول، أو المحالج، أو المكابس، أو مواني التصدير.
- القانون رقم 5 لسنة 1926م، والخاص بمراقبة إنتاج تقاوي القطن، وتنظيم تجارتها. وهو يحتم أن يكون حلج القطن الزهر المُعدة بذرته للتقاوي تحت إشراف موظفي وزارة الزراعة، على أن تكون نسبة النقاوة في التقاوي 80% -ارتفعت بعد ذلك إلى 99%-.
- التشريع الخاص باختبار طول التيلة، ومتانة الغزل. وفي عام 1934م أنشئ مصنع تجارب غزل القطن، وهو يقدم أكبر معونة للمربي، إذ يوالي اختبار صفات الشعرة ومتانة الغزل في أقطان السلالات وهي في أدوار التربية الأولى حتى التوصل للصنف الجديد مما يساعد على التأكد من الصفات.
- تنفيذا لقرار المؤتمر الدولي للقطن عام 1931م، تم في الإسكندرية عام 1932م إنشاء المكتب المصري لاختبار درجة رطوبة القطن. ويقوم المكتب بقياس درجة الرطوبة الحقيقية، ومنح شهادات معترف بها من الهيئات الدولية خاصة بعد توصية لجنة القطن الدولية في 7 نوفمبر 1938م الخاصة بشراء القطن المصري على أساس الوزن الجاف للقطن زائدا 8.5 % استرداد مسموح به اعتبارا من 21 نوفمبر 1938م. على أن يتم تحديد الوزن وإجراء الاختبار بمعرفة المكتب المصري لاختبار درجة رطوبة القطن.
- صدر القانون رقم 10 لسنة 1904م في 20 يونيو وهو خاص بمنع استيراد بذرة القطن من أمريكا بعد أن تحققت أن الإصابة في لوزات القطن المصري راجعة إلى استيراد تلك البذور.
- صدر القانون رقم 21 لسنة 1909م بمنع استيراد بذور القطن من جميع الممالك، فامتنع بناء على ذلك استيراد القطن غير المحلوج.
-    صدر القانون رقم 5 لسنة 1913م بمنع استيراد أي جزء من نبات القطن ما عدا القطن المحلوج. وكذلك منع استيراد الحشرات الحية في جميع أطوارها ما عدا دودة القز، والنحل اللتين أبيح استيرادهما بترخيص.

الإنتاجية الفعالة:
والآن ننتقل إلى مفهوم جديد للإنتاجية نطرحه لأول مرة، فمن المعروف أن غالبية الحاصلات النباتية لا يتم استهلاكها بشكل مباشر، أي بعد الحصاد مباشرة، فإنه يُصبح من الطبيعي أن يكون الاهتمام بالمحصول القابل للاستهلاك. ومن ثم يكون الاهتمام بقياس حجم هذا المحصول من وحدة المساحة بنفس درجة الاهتمام بقياس حجم المحصول في شكله الأولي الناتج من وحدة المساحة فيما يُعرف باسم الإنتاجية من وحدة المساحة أي الـ Productivity والتي سبق الإشارة إليها. وعلى ذلك فإن الباحث يطرح هنا مفهوماً جديداً يُعبر عن هذه الظاهرة يُمكن أن نُطلق عليه مصطلح الإنتاجية الفعالة  Effective Productivity . ولتوضيح فكرة هذا المُصطلح الجديد نأخذ محصول الأرز كمثال حيث بلغت إنتاجية محصول الأرز عام 1997م نحو 3.535 طن/فدان، ولكي يتم استهلاك هذا المحصول لابد من تبييضه بنزع القشرة الخارجية عن حبوب الأرز ومن هنا ينخفض حجم المحصول القابل للاستهلاك عن حجم المحصول الذي تم ضمه. هذا الفارق هو ما يُعرف باسم حجم الاستخراج، ويتم التعبير عنه دائماً كنسبة مئوية يُطلق عليها اسم معامل الاستخراج Extraction Coefficient . وعند استخدام هذا المُعامِل في محصول الأرز يُطلق عليه اسم تصافي التبييض، وتبلغ حالياً نسبة تصافي تبييض الأرز نحو 72%. وعلى ذلك فإن الإنتاجية الفعالة هنا يُمكن الحصول عليها بضرب الإنتاجية الفعالة في نسبة التبييض، لأن الهدف الرئيسي من العملية الإنتاجية هو الحصول على الأرز الأبيض وليس الأرز الشعير.

الإنتاجية الفعالة = الإنتاجية الفدانية × نسبة الاستخراج

الإنتاجية الفعالة لمحصول الأرز = 3.535 × 0.72 = 2.545 طن/فدان. وبنفس الطريقة نجد أن الإنتاجية الفدانية لمحصول القمح تبلغ نحو 15.68 إردب/فدان، بينما تبلغ نسبة الاستخراج لمحصول القمح 68%، ومن ثم تبلغ الإنتاجية الفعالة لمحصول القمح نحو 10.662 إردب/فدان. والإنتاجية الفدانية لمحصول الذرة الشامية تبلغ نحو 22.47 إردب/فدان، بينما تبلغ نسبة الاستخراج نحو 94.6%، ومن ثم تبلغ الإنتاجية الفعالة لمحصول الذرة الشامية 21.257 إردب/فدان. ويكتسب هذا المفهوم الجديد أهمية كبيرة في محاصيل الخضر أيضاً، فعلى سبيل المثال في محصول البطاطس بلغت الإنتاجية الفدانية للعروة الصيفية 9.78 طن/فدان، وبلغت نسبة المادة الجافة المُستخلصة 14%، ومن ثم تبلغ الإنتاجية الفعالة 1.369 طن/فدان، ومن ثم فإن السلالات الجديدة تستهدف أيضاً رفع نسبة المادة الجافة. ولمحصول الطماطم هناك غرضان أساسيان الأول هو الاستهلاك المباشر على المائدة، والثاني هو العصير بغرض صناعة الصلصة. وعلى هذا الأساس يوجد صنفان رئيسيان للطماطم يفيان بهذا الغرض، فعند قياس الإنتاجية الفعالة لطماطم المائدة يتم ضرب الإنتاجية الفدانية في نسبة لحم الثمرة أي المادة الجافة بها، وعند قياس الإنتاجية الفعالة لطماطم العصير "الصلصة" يتم ضرب الإنتاجية الفدانية في نسبة العصير المُستخلص. ونفس الشيء بالنسبة للزيتون فهناك زيتون المائدة، وزيتون العصير "الزيت".

والآن لماذا تبرز أهمية هذا المفهوم في الوقت الحالي؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في الأهمية الكبيرة والمتسارعة للتطور التكنولوجي الحادث في الزراعة على المستوى العالمي الآن المُتمثل في تحسن الصفات والنوعيات، وكذلك زيادة حجم الإنتاج من وحدة المساحة. وهو يُعطي الأمل لعلماء الزراعة في استنباط سلالات جديدة ليست عالية الإنتاجية فقط، بل وذات نسب استخراج عالية، مما يرفع من درجة كفاءة الإنتاجية الفعالة للمحاصيل.

بالنسبة لمحصول القطن يجب التنويه هنا إلى مفهوم "تصافي الحليج"، ولعل محصول القطن هو أول محصول تم وضع صفات قياسية لأصنافه المختلفة، وكذلك معايير لقياس إنتاجية هذه الأصناف ومن بينها معيار تصافي الحليج الذي يتباين كثيراً بتباين الأصناف. وتصافي الحليج عبارة عن حجم الشعر المُتحصل عليه من القطن الزهر بعد حلجه. فعلى سبيل المثال بلغ متوسط الإنتاجية الفدانية لمحصول القطن عام 1997م نحو 6.80 قنطار/فدان من القطن الزهر غير المحلوج، بينما بلغ 7.96 قنطار/فدان من القطن الشعر المحلوج. ويرجع السبب في ارتفاع إنتاجية الفدان من القطن الشعر عن إنتاجية الفدان من القطن الزهر إلى اختلاف وحدة القياس، حيث يزن قنطار القطن الزهر 157.5 كيلوجرام، بينما يزن قنطار القطن الشعر 50.0 كيلوجرام. أما تصافي الحليج فهو يفوق في العادة نسبة الـ 100%، وذلك بسبب الطريقة الخاصة التي يتم بها حساب نسبة التصافي، وتبلغ هذه النسبة حالياً 115.7%. أما نسبة التصافي فتُحسب على أساس أنه إذا تم استخلاص قنطار قطن شعر من قنطار قطن زهر تكون نسبة الاستخلاص 100%- أي إذا حصلنا على 50 كيلوجرام قطن شعر من 157.5 كيلوجرام قطن زهر- وفي العادة يتم الحصول على أكثر من 50 كيلو جرام قطن شعر ومن ثم ترتفع النسبة عن 100%. ولتوضيح مدى التباين بين الأصناف في هذا المعيار نجد أن تصافي الحليج لصنف جيزة 45 بلغ 102.97%، بينما تصافي الحليج لصنف جيزة 89 بلغ 116.53% خلال نفس العام 1997م. وعلى ذلك يُمكن القول هنا أن الإنتاجية الفعالة تعادل تقريباً تصافي حليج القطن إذا ما أدخلنا في حساب الشعر "قطن السكرتو" العالق في دواليب الحليج، وهو القطن الذي يُستخدم في تنجيد المفروشات، لأنه كلما انخفضت نسبة السكرتو ارتفعت نسبة الشعر.
الإنتاجية الفعالة لمحصول القطن = 6.80 × 1.157 = 7.868 قنطار/فدان.
السكرتو = 7.96 7.868 = 0.092 قنطار/فدان.        

دكتور/ محمد مدحت مصطفى
                              أستاذ الاقتصاد االزراعي بجامعة المنوفية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق