الاثنين، 25 يوليو 2016

استنزاف الفائض الاقتصادي المصري تحت الحكم العربي





فرض العرب العديد من الضرائب بعد دخولهم مصر، ويصعب حصر وتصنيف تلك الضرائب نظرا لتنوعها ولعدم الانتظام في جبايتها، أو إلغائها ثم إعادتها. وتعد ضريبتا الخراج والجزية من أهم تلك الضرائب، ومع اتساع حجم التجارة الخارجية والتجارة العابرة ازدادت أهمه المكوس في موارد الدولة المالية، كما عرفت مصر ضريبة الأحكار خاصة على ملح النطرون.


من صنوف الضرائب:
كانت أهم الضرائب على الأرض الزراعية ضريبة الخراج، إلى جانب ضريبة أخرى عرفت بضريبة الطعام فرضت على القمح أساسا وبعض المحاصيل الأخرى استثناء. وقد شاع بين المؤرخين أن ضريبة الطعام جزء من ضريبة الخراج، ولكن استنادا إلى الوثائق التاريخية المتوفرة يمكن القول أن كلا من الضريبتين كانت تجبى منفصلة عن الأخرى. فالخراج كان يجبى نقدا أو عينا لكن ضريبة الطعام كانت تجبى عينا، وعلى ذلك يمكن اعتبار ضريبة الطعام بديلا عن ضريبة القمح القديمة. فبعد أن كانت مصر ترسل القمح إلى روما ثم إلى القسطنطينية على مدى سبع قرون (30 ق م - 641م) أصبحت ترسله إلى الحجاز، واستمر ذلك حتى بعد انتقال مركز الخلافة من الحجاز إلى الشام ثم إلى العراق. كانت ضريبة الطعام قمحا. أما الضرائب الزراعية على المسلمون فكانت تتمثل في ضريبة العُشور التي تعد نوعا من الزكاة من الناحية الفقهية، وهى تقل كثيرا عن ضريبة الخراج وبالتالي كان المصرين الذين يعتنقون الإسلام يتحولون إلى دفع ضريبة العُشور بدلا من ضريبة الخراج. واستمر هذا الحال إلى أن أصدر الحجاج بن يوسف الثقفى أوامره بفرض خراج الأرض على العرب الذين امتلكوا أراضى خراجية، ولم يسمح بتحويل الأرض من خراجية إلى عُشورية على من أسلم. 

1- ضريبة الخراج:
 يذكر ابن عبد الحكم أن خراج الأرض في الفترة الأولى من عهد الولاة بلغ نصف إردب وويبتين عن كل فدان. أما مزارع الكروم فقد ثارت بسببها مشكله حيث كا ن المصريون يستخدمون الكروم أساسا في صناعة النبيذ فأرسل أبا عبيده يسأل عمر بن الخطاب عن كيفية التصرف، فأجاب عمر بن الخطاب لا تأخذوا الخراج خمرا، ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم الثمن فأصبح المصريون يبيعونها ويدفعون خراجها مالا وعليها عُشر أثمانها.

2- ضريبة الطعام:
 يُجمع المؤرخون على أنه فُرض على أهل مصر ضريبة عينية وان اختلفوا في تقديرها، فيذكر البعض أنها إردب لكل إنسان، ويذكر آخرون أنها ثلاثة أرادب قمح بالإضافة إلى أصناف الطعام الأخرى، ويذكر اليعقوبى أنها كانت إردبان عن كل مائة إردب. وقد تحولت هذه الجبايات العينية إلى ما يعرف: وهى ضريبة عينية أهم ما يجبى فيها القمح، وهى بذلك تشبه ضريبة الأنونا الأهلية وهى الشحنة السعيدة التي كانت تحمل إلى القسطنطينية. وقد أُرسلت هذه الضريبة لأول مره إلى مكة زمن الخليفة عمر بن الخطاب عام الرماده 21هـ، وهو عام القحط الشديد الذي اجتاح الجزيرة العربية حيث أرسل عمرو بن العاص هذه الشحنة استجابة لطلب الخليفة، ويقال أنها كانت تعادل حمولة بعير من الطعام لكل بيت في المدينة. بعدها مباشرة أمر عمر بن الخطاب بحفر خليج أمير المؤمنين الموصل بين النيل والقلزم –السويس- محل قناة سيزوستريس الفرعونية والتي طُمرت بسبب الإهمال، وذلك حتى يسهل نقل هذه الشحنة إلى مكة والمدينة. وكانت الشُحنة تضم أ أيضا الزيت والعسل والخل بجانب الغلال. وتوضح البرديات الكميات المحصلة من السمسم والفول والعدس والقمح والشعير، بل والتبن لزوم غذاء الحيوانات.



3-الجـزيـة:
وهى ضريبة الرؤوس التي فرضها العرب على الرجال القادرين من غير المسلمين، وأعفى منها كبار السن والصغار الذين لم يبلغوا الحُلُمْ، وكذلك النساء. ومن المعروف أن ضريبة الرؤوس –الجزية- كانت قد ألغيت بمقتضى مرسوم الإمبراطور قسطنطين والصادر عام 324م، ولم تتوفر وثيقة واحدة بعد هذا التاريخ تتضمن ضريبة الرؤوس. أي أن العرب أعادوا هذه الضريبة على المصريين بعد إلغائها مدة تزيد عن الثلاثمائة عام. مع تزايد إسلام المصريين تناقصت حصيلة الجزية وتقلصت مالية الدولة حتى تصدى الحجاج بن يوسف الثقافي والى العراق زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لهذه المشكلة وفرض الجزية على الأعاجم الذين أسلموا مما تسبب في كثير من الجدل بين فقهاء المسلمين.وكتب الخليفة عبد الملك بن مروان إلى أخيه عبد العزيز بن مروان والى مصر يطلب منه أن يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة فرفض بحجة أن أهل الذمة يتحملون جزية من ترهب منهم فكيف نضعها على من أسلم منهم. وفى عهد خلافة عمر بن عبد العزيز كتب إليه متولي خراج مصر حيان بن سريج يطلب بقاء الجزية على من يسلم، فجاء في رد الخليفة... أن الله إنما بعث محمدا رسول الله هاديا ولم يبعثه جابيا... ، وعلى ذلك فمن المؤكد أن استمرار الجزية على من يسلم طبق بعد عهد عمر بن عبد العزيز، ومن غير المعروف تاريخ ذلك على وجه اليقين. كانت الجزية تفرض على دربين: الأول على الأفراد بأسمائهم، والثاني على القرية ككل، وفى هذه الحالة إذا توفى أحدهم ترثه القرية وعليها أن تدفع جزيته. وأمر عمر بن عبد العزيز عامله على خراج مصر حيان بن سريج عام 100هـ أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم، مما يؤكد أن الجزية كانت مسئولية القرية ككل.
       
4- الزكاة:
وهى الضريبة التي يؤديها المسلمون وفقا لأحكام الشرع. ويقول المقريزى أن أول من جبى الزكاة بمصر كان السلطان صلاح الدين الأيوبي. لكن ظهرت وثيقة هامة عبارة عن إيصال زكاة مؤرخ في سنة 148هـ / 766م يفيد بأن صاحبه دفع شاة صدقة أربعين شاة لسنة 147هـ والصدقة كانت تستخدم كمرادف للزكاة في ذلك الوقت مما يدل على أن الزكاة كانت تجبى منذ عهد الولاة. وكان للزكاة ديوان خاص بها في دار الخلافة، وله فروع في سائر الولايات. وكانت الزكاة بمقدار ربع العشر 2.5 % عما يمتلكونه من مال وهى زكاة النقد من الذهب والفضة  أما الحلي من الذهب والفضة فلم يدفع عنها زكاة. وفى عهد الفاطميين ترك أمر الزكاة للأفراد. ويقول القلقشندى في كتابه "أن الزكاة كان يدفعها أرباب الزكوات بأنفسهم". أما الدولة فلم يبق لها من الزكاة التي تحصلها إلا شيئان: أولهما ما يؤخذ من التجار المسلمين وغيرهم على ما يدخلونه إلى البلاد من ذهب وفضة حيث يأخذون خمسة دراهم على كل مائتي درهم. أما الثانية فكانت الزكاة التي تفرض على المواشي التي تصل مع أهل برقه بغرض الرعي.

5- المكوس:
كانت الضرائب على التجارة الخارجية تعد من الموارد المالية الهامه للدولة خاصة مع اتساع نطاق التجارة الخارجية والعابرة، وكانت تجبى في الثغور الرئيسية مثل الاسكندرية، والفرما، والقلزم، ودمياط، وتنيس، ورشيد، والبرلس، وعيذاب، وأسوان. وأطلق على هذه الضريبة اسم الخُمس الرومي  ثم أصبحت تعرف بالمكوس، وتحسب على أساس 20 - 35 % من قيمة السلع الواردة، وإذا غادر التاجر البلاد وعاد إليها في نفس السنة بنفس البضائع لا تحصل عليها الرسوم مرة أخرى. وقد بلغت رسوم ثغر الإسكندرية فقط في عهد الأيوبيين عام 587هـ  نحو 38 ألف و613 دينار، كما بلغت ضرائب المكوس  في أسوان عام 585هـ  نحو 25 ألف دينار. أما ضرائب الصادرات فكانت زهيدة.

6- ضريبة الأسواق:
 بالإضافة إلى ما ذكر كانت هناك ضرائب عديدة أخرى من أهمها ضريبة الأسواق وتفرض على التجارة الداخلية، وكانت تحصل بنسبة دينار على كل عشرين دينار ثم تنقص بنفس النسبة حتى تبلغ عشرين دينار. أما الذميون فكان يُحصّل منهم دينار على كل 20 دينار ثم ينقص بنفس النسبة حتى تبلغ 10 دينار، والأقل من ذلك  يُعفى.

العبء الضريبي على الاقتصاد المصري:
كانت سياسة الخلفاء بوجه عام ترمى إلى استغلال مصر وان اختلفوا في درجة الاستغلال. إذ بينما نرى بعض الخلفاء أو ولاتهم يشتط في جمع الضرائب نرى البعض الآخر يرى أن مصلحة الراعي أن يقص صوف غنمه وليس أن يسلخها كيلا يجف معين البلاد وتتأثر بذلك مالية الدولة. ولعل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (96 - 99هـ) يمثل الاتجاه الأول أبلغ تمثيل حين يكتب إلى متولي خراج مصر أسامه بن زيد التنوخى قائلا احلب الدر حتى ينقطع واحلب الدم حتى ينصرم. أما الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65 - 86هـ) فيمثل الاتجاه الثاني حيث يكتب إلى الحجاج بن يوسف الثقفى عامله على العراق لا تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك المتروك  وابق لهم لحوما يعقدون بها شحوما(34). يورد المؤرخون عددا من المراسلات بين الخليفة عمر بن الخطاب وبين أمير مصر عمرو بن العاص يستحث فيها الخليفة أميره على جباية الخراج، ويرد الأمير بأنه يستخلص الخراج بما لا يضر بعمارة مصر. وقيل أن عمرو بن العاص جبى من مصر 12 مليون دينار، بينما جباها عبد الله بن سعد 14 مليون زمن خلافة عثمان بن عغان فعاتب الخليفة عمرو بهذه الكلمات يا أبا عبد الله درت اللقحة بأكثر من درها الأول فرد عمرو بالقول ولكن أضررتم بوليدها وأعجفت فصيلها.

دكتور/ محمد مدحت مصطفى
                          أستاذ الاقتصاد االزراعي بجامعة المنوفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق