الاثنين، 12 يناير 2015

السان سيمونية والباشا



7 السان سيمونيه والباشا from محمد مدحت مصطفى


أثناء جلسة ودية مع العزيز أبو العز الحريري بعد إلقائه كلمة رائعة في إفطار الوحدة الوطنيه الذي أقيم بأتيلييه الإسكندرية في يوليو 2014م ذكرنا فيها بخطابته النارية في الزمن الماضي، أبدى تخوفه مما تتعرض له ثورة يناير وثوارها، محذراً من أن ثورة ثالثة، تكون أكثر احتمالاً  إذا استمرت هذه الحملة ضد الثورة والثوار.
وبعد أن اطلع على الأعداد الصادرة من سلسلة روزنامة ذاكرة الوطن، رأى أهمية إصدار مطبوعة عن دور السان سيمونية في مصر وعلاقة السان سيمونيين بمحمد علي باشا، خاصة وأن عدد كبير من الشباب يجهل وقائع هذه الفترة، ووعدته بأن أعمل على تحقيق رغبته. وها أنا في أغسطس 2014م وبعد شهر واحد أفي بوعدي، واتمنى أن أكون موفقاً في تلبية الغرض. لم يترك السان سيمونيون أثراً في أي بلد قصدوا إليه في الشرق سوى مصر، ألا يدعوا هذا إلى السؤال ولماذا مصر؟. ببساطة لإنها مصر بلد فجر الضمير، إنها مصر بلد بذوغ الإنسانية الحقة، إنها البلد الذي اعتصر كافة الثقافات والأديان ليُخرج الثقافة التي مازال يُبهر بها العالم رغم عواصف الجهالة والاستبداد من حكامها. هل كان أحداً في العالم كله يتصور أن يخرج الملايين من هذا الشعب رفضا لسنوات امتهان الكرامة ويخلع رأس الدولة، وبعدها بعامين فقط تخرج نفس الملايين لتخلع رأس الدولة الجديد الذي حاول أن يُلبثها ثوباً غير ثوبها الوطني. ويقلب الشعب كل مخططات العالم ويُثبت لجميع أجهزة مخابرات العالم أنهم أغبى من أن يفهموا هذا الشعب العنيد. حاولت في هذا الكتيب أن أعرض باختصار لأفكار سان سيمون وأثارها على المجتمع الأوربي أولا، ثم على الفكر الإنساني بصفة عامة، وبعدها انتقلت لتتبع رحلة آنفنتان إلى مصر بصفتها الفعل المادي الرئيسي للسان سيمونيين في مصر التي أنجزت العديد من المشروعات. إذا كان لوجود السان سيمونيين في مصر آثارا هامة فإن هذه الآثار لم تكن لتحقق إلا بوجود رجل مثل محمد علي باشا قائماً على حكمها. فهذا المُستبد المُستنير كان يرى نفسه جديراً أن يكون على رأس أمة عظيمة تضارع أكثر الأمم حضارة وتقدم في زمانه، فكان مستمعاً جيداً لأفكار التقدم والاستنارة، واحتفظ بأكبر طاقم من المترجمين في ديوانه بلغ عددهم 85 مترجماً لغالبية لغات العالم، وهو أكبر طاقم من المترجمين ضمه أي ديوان امبراطوري أو ملكي أو جمهوري في عصره. فملامح الدولة الحديثة شرع محمد علي في بنائها قبل وصول آنفنتان بأفكاره إلى مصر. فخطوط الملاحة البحرية، والمدرسة العسكرية، والبعثات العلمية إلى أوربا، والبعثات البحرية، والمستشفيات الأميرية، والتنظيمات الصحية، والترسانة البحرية في الإسكندرية، وترعة المحمودية، والمجالس البلدية، ومجالس الصحة، والمصانع الحربية، وغيرها وغيرها كان قد بدأ بها الباشا قبل وصول السان سيمونيين. أن العلاقة بين الشرق وأوروبا، من وجهة نظر السان سيمونيين، لم تكن علاقة ندية، بل تنطوي على حالة انقطاع عقلي مع الدائرة الفكرية التي تنتمي إليها، وانخراط في دائرة جديدة تختلف نوعياً عن الدائرة الأولى ذات السمة الخرافية من جهة، والطفولية من جهة أخرى. فالجماعة السان سيمونية التي ذهبت إلى الشرق، كان ينظر إليها من قبل المثقف الفرنسي على أنها عملية اختراق أوروبي للعقل الشرقي المتخلف والخرافي. وعند هذا الحد، تنتهي مهمة المثقف الغربي، لتبدأ مهمة السياسي الغربي. الشيخ محمد عبده يراها تجربة مهمة، تضم البيوتات المصرية والخبرة الفرنسية. ويذهب أنور عبد الملك إلى أن الإنجاز الذي قدمته تجربة محمد علي تتجاوز ضخامته، بفارق كبير، الإسهام الهام والمحدود لرفاق أنفانتان، في دفع عجلة مشروعات هذه التجربة. ويركز علي الدين هلال على التأثير الأيديولوجي لهم، إذ يرى أنه بالرغم من أن تجربتهم الاشتراكية تبدو وكأنها قد فشلت أساسا، فإنه يوجد من الأسباب ما يدفع إلى الاعتقاد بأنهم كانوا رواداً في غرس بذور الاشتراكية، ومع ذلك ورغمه، يظل السؤال ماثلاً، هل ما قدمته السان سيمونية رسالة تحديثية، أم تراه استعمارا مقنعا اتخذ شكل تدخل المدنية في الشعوب البربرية، كما كانت تتحدث صحيفتهم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق